الراصد عيايدة: مناخ بلاد الشام لم يتغير منذ 55 عامًا

أوراق – بصر محمد رزق عيايدة النور في بلدة الشيوخ شمال الخليل في عام 1976، وبدأ ينحاز مبكرًا للطقس ومراقبة الأحوال الجوية، وأنهى دراسته الجامعية في إدارة الأعمال، وعمل تاجرًا في ماليزيا خمس سنوات، حصل على شهادات مهنيّة في الكهرباء والحاسوب، وهو أب لخمسة أبناء. وفق مجلة افاق البيئية.

وأخذ يلاحق التغيرات على المناطق المحيطة في بلدته، حين بدأت مقالع الحجارة تعيث في البيئة فسادًا، واقتلعت كل شيء جميل، وتركت الجبال حفرًا مدمرة. ينطلق عيايدة من مبدأ (متع عقلك، وانفتح على آفاق العلم)، ويقول إن العالم أجمل مما نظن، والسلام مع النفس والمجتمع أساس الرقي.

وأسس موقع رواد الطقس في بلاد الشام، وصار يمضي وقتًا طويلاً في ملاحقة الأحوال الجوية، ودخل قلبه حب الشتاء، ومتابعة أحوال الطقس وشؤون المناخ. تحاور “آفاق” الأربعيني العيايدة، وتسجل معه هذا النص:

جربة وإسهاب

متى بدأ اهتمامك بالطقس وملاحقة الحالات الجوية؟

بدأ اهتمامي بالطقس قبل 15 عامَا، نتيجة قناعاتي بتقصير الجهات الرسمية العربية بهذا الشأن مقارنةً مع نظيراتها الأجنبية، وأرى إن أغلب جامعاتنا العربية خالية من هذا العلم الواسع، وأرصادنا الرسمية تُقزم غلافنا الجوي في دقيقتين بعد الأخبار. وتطوّر شغفي في معرفة كيفية تكون المنخفضات والمرتفعات، ومن الذي يؤثر في الآخر، ومن أين يبدأ التأثير الأول في حركة عناصر الغلاف الجوي.

لماذا أطلقتم مبادرة إلكترونية تجمع بلاد الشام معًا؟

انطلقت مبادرة ( رواد الطقس في بلاد الشام) حين التقيت بكثير من المهتمين وأصحاب الخبرات الطقسية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والفضل في ذلك لصديق من رام الله طرح إنشاء هذا الموقع، ليكون نقطة التقاء لمتابعيه، وكان ذلك عام 2013 حين أطلقنا الصفحة، بدأنا باثني عشر عضوًا موزعين على فلسطين والأردن ولبنان وسوريا، وكان الهدف إثراء المعلومة الطقسية لدى المتابع، وتقديم أفق أوسع من الثلاثة أيام التي تعتمدها الأرصاد الرسمية، وتقديم صورة أكثر شمولية عن تطورات غلافنا الجوي. واخترنا بلاد الشام لتكون مسرحًا لهذا العلم، والسبب أن الفعاليات الجوية هائلة المساحة، وتغطي فعاليات الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط كافة بلاد الشام، وأجزاءً من مصر والعراق وتركيا.

ما هي سياسات المجموعة في النشر؟

هدفنا الأول نشر الوعي، وإثراء المعلومة الطقسية، ووضع المجتمع على عتبة التطور العلمي في ظل عدم وجود أي نماذج طقسية عربية رسمية، ولوضع حد لانتشار المعلومات الخاطئة والشائعات عن الطقس كل موسم، والتي تربك المواطن. ونسعى إلى إيجاد نقطة التقاء للباحثين عن تفسيرات علمية لما يحدث، ووضع المعلومة الواقعية في إطارها الصحيح.

توقعات وتطوّع

هل توصلتم لتوقعات مغايرة عن الراصدين الآخرين؟

نعم، فالجميع يستطيع التحدث عن منخفض قادم، ولكن الشيطان يكمن في التفاصيل، لذلك نختلف في اهتمامنا بأدق التفاصيل وشرحها ومتابعتها، وتختلف قراءتنا للمنظومة أو الفعالية عن الآخرين، وهذا سبب تميزنا.

كم تمضون يوميًا من الوقت في التطوع لمتابعيكم؟

نمضي ساعات طويلة في قراءة الخرائط البعيدة لأكثر من 11 نموذجًا بتفاصيلها، مع العلم أن هناك خارطة لكل ساعة على مدار 24 ساعة، ونحن 12 متطوعًا نتقاسم الوقت كل حسب اختصاصه، فمنا من يرصد جداول تذبذبات القيم الشمالية للقطب والمحيط الأطلسي، أو يختص في متابعة حركة الضغوط وتوزيعها، ويلاحق الموجات المدارية، وحركة مادن وجوليان ( التذبذبات المدارية)، ويواكب الأحوال الجوية الثابتة 72 ساعة، ويتتبع صور الأقمار الصناعية، أو يهتم بحركة الرياح وحرارة الطبقات العلوية والسفليةـ ونتواصل من خلال الدردشة الجماعية، فنرجح شيئًا، ونستبعد شيئًا حتى اقتراب المدة، ودخول الفعالية أرض الواقع، وهذا يأخذ من وقتنا الكثير في ظل انعدام الإمكانات المحوّسبة والسريعة، وصعوبة الوصول للمعلومة.

مناخ ومطر

بماذا يمتاز مناخ فلسطين؟ وهل نحن على عتبة تحوّل مناخي؟

يمتاز مناخنا بالاعتدال، والإطلالة على البحر المتوسط، ووجود سلسلة جبال عرضية بمحاذاة الساحل تجبر التيارات البحرية تشكيل تيار صاعد من أسفل السلسلة إلى أعلاها، وهذا يعزز فرص التكاثف والهطول أثناء الفعاليات الجوية، بعكس المناطق التي تقع شرق بلاد الشام، والبعيدة عن البحر. كما أن مناخ فلسطين يتأثر بمناخ الشرق الأوسط المتأثر بالمناخ العالمي، الذي يشهد احترارًا، فمن من خلال الأرقام سجل عام 2016 أعلى حرارة على الكوكب مند بدء السجلات المناخية.

أما الأمطار فهي طبيعية جدًا، وهناك مواسم أقل من المعدل، ومواسم أعلى، وهي في الإطار نفسه، خصوصًا في الخمسين سنة الماضية. ومن حيث مناخ الكوكب فالأرض تتبع الشمس في دوراتها، وهناك دورة مناخية كل 11 عامًا، تتبع البقع الشمسية، وثمة فوضى مناخية كل مئة عام حسب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة والحرائق والبراكين، أما الدورة المناخية كل 20 ألف عام فهي عالمية آخرها كانت الأرض ضمن تأثير العصر الجليدي المصغر، الذي ينتج عن تغيير منتظم في مدار الأرض حول الشمس، واختلاف في زاوية محورها، ونلمس الآن مناخًا عالميًا يشهد حالة من التطرف، وهي تركيز التبريد في مناطق دون أخرى، وتركيز الاحترار في مناطق دون غيرها، بمعنى إما كل شيء أو لا شيء، وتسمى هذه الظاهرة “فوضى طقسية” تكون مقدمة لتغيرات مناخية، لا نعلم متى وكيف ستكون. ويذهب بعض علماء الغرب باتجاه التبريد، والبعض الآخر نحو استمرار الاحترار العالمي.

هل لديكم سجلات لتاريخ فلسطين المطري وما هي ابرز مؤشراتها؟

الجهات الوحيدة التي أخذت على عاتقها الأرشفة هي جهات أجنبية وليست عربية للأسف، وأيضا لكل نموذج طقسي عالمي، فهناك أرشيف طقسي للنصف الشمالي للأرض، وهناك سجلات تعود إلى عام 1914 نستقي معلوماتنا منها، مع العلم أن أقدم أرشيف طقسي عرف في العالم يعود لإنجلترا وبدأ عام 1659، وهناك سجل يعود لعام 1766.

أما أبرز أرقام السجلات للقدس، ففي 28 آب 1881 بلغت الحرارة العظمى 44,4 درجة، وفي 25 كانون الثاني 1907 بلغت الصغرى 6,7 دون الصفر.

وفي موسم 1962 كان أقل معدل هطول موسمي للقدس 206 مليمترات، وخلال موسم 1974 سجل أعلى معدل هطول شهري للمدينة بواقع 418 مليمترًا، وفي موسم 1992 كان أقصى حد يصله المعدل التراكمي السنوي للقدس وهو 1134 مليمتيرًا. وهناك أحداث يرويها الأجداد عن عواصف تاريخية عامي 1911 و1950 ولكن بعد العودة للأرشيف وجدنا الأنباء متضاربة، ولا تنسجم مع روايات الأجداد، وبعض المواقع. والمؤكد أنه خلال الـ 55 عاما الأخيرة لم يتغير شيء على مناخ بلاد الشام حسب السجلات، وما تغير هو توزيع فعاليات الشتاء فقط، وبعد العودة للأرشيف وجدنا أن 26 موسمًا موزعة على 55 عاماً الماضية كانت أعلى من المعدل مطريًا، وأن 29 موسمًا كانت أقل من المعدل، وهو أمر طبيعي في تذبذب مناخ فلسطين بين صعود وهبوط. كما يظهر أن موسم عام 1959 كان جافًا، وفي المقابل كان موسم 1992 خصبًا جدًا.

تضارب وثبات

ما رأيك بالتوقعات طويلة الأمد، والموسمية للأحوال الجوية؟ ولماذا نشهد تضاربا كبيراً في التوقعات، وتذبذبا وتحديثات عديدة متباينة؟

هي توقعات مبنية على أسس علمية، ولكن نحن من لديه فهم مغلوط عن هذا الجانب، المراكز العالمية للطقس تنشر توقعاتها الموسمية بهدف أخذ الإطار العام وليس التفاصيل، والإطار العام يخضع للتقريب وليس الجزم، ولا ينظر إليها في مسائل الدقة؛ لأن تفاصيل الفعاليات الجوية لا تنسجم مع التوقعات بعيدة المدى؛ بسبب فيزيائية الطقس وديناميكية عمل الغلاف الجوي، فالأرقام التي يتم التعامل معها تخضع للتقريب، حيث نقول درجة الحرارة اليوم تسجل 12 درجة مئوية ولا نقول 12,00432311 درجة، وتخضع فيزياء الطقس للتعامل بعشرة أرقام وليس برقمين، لذلك هذه الكسور غير المؤثرة إطلاقا في قراءة درجات الحرارة اليومية ينتج عنها انحراف كبير في درجات الحرارة المتوقعة لعام، وهذا ما يسمى في علم الطقس “تأثير الفراشة”، بمعنى أن أدنى حركة في مكونات الغلاف الجوي قد ينتج عنها حركة كبيرة جدًا على المدى البعيد، وفي مكان بعيد عن مكان حدوثها وغير متوقع، وهذا يشير إلى ارتباط أصغر عنصر في الطقس بأكبر عنصر، والعكس صحيح، لذلك خرج علماء الطقس بأن توقع الأحوال الجوية البعيدة محكومٌ بالفشل، فوضعوا إطارًا عامًا تؤخذ منه الإشارات فقط، التضارب في التوقعات ناتج عن اختلاف الإمكانات والمدخلات التي تتباين باختلاف البيانات المجموعة، مثلًا المركز الأوروبي للطقس يمتلك 21 قمرًا صناعيًا لمتابعة حركة عناصر الغلاف الجوي، بالإضافة إلى كم كبير جدًا من المجسات في المحيطات والغلاف الجوي، ويمتلك أيضا شبكة من الحواسيب المتطورة جدًا؛ لذلك يكون جمع البيانات أكبر وحين تتم معالجتها حاسوبيًا تكون المخرجات من الخرائط أكثر مواكبة لحركة الغلاف الجوي وبالتالي أكثر دقة.

وهناك تباين بين مراكز الطقس في المساحة الأفقية والعمودية التي يتم اعتمادها لجمع البيانات، وبالتالي تتباين النتائج، والتخبط مصطلح لا يتوافق مع ما يحدث على الخرائط، ولا يوجد تخبط وإنما طرح سيناريوهات عديدة للفترة نفسها حين تكون بعيدة، والنموذج الدقيق يتوقع جميع الاحتمالات، ثم يبدأ بتقليصها يوميًا، ومع اقتراب المدة حتى يستقر على الصورة الأقرب للواقع، هذا النوع من المراكز العالمية لا يترك صغيرة أو كبيرة إلا ويضعها ضمن حساباته، في ظل القاعدة الطقسية الوحيدة الثابتة وهي “الشيء الوحيد الثابت هو الشيء المتغير”.

نلاحظ أن الجفاف يحكم قبضته على بلادنا منذ مدة، وأصبحنا نشاهد أمطاراً محلية جدًا، وسوء توزيع للكميات، وندرتها، ولم نعد نعيش مواسم مطرية تقليدية. ما الأسباب برأيكم؟

لا اعتقد أن مصطلح جفاف ينطبق على مواسم بلاد الشام، فالسجلات تشير إلى تباين في المعدلات بين هبوط وصعود، والسلبية الموجودة حاليًا هي سوء توزيع للإمطار، وهذا نتج مؤخرا عن تغيير ملموس في زاوية هبوط الأحواض العلوية الباردة نحو بلاد الشام، خصوصًا في الثلاثة مواسم الأخيرة، والهبوط المثالي هو عن طريق البحر الأسود وغرب تركيا إلى حوض قبرص، أو عبر البوابة اليونانية إلى بحر ايجة، ومن ثم قبرص. ولاحظنا في الثلاثة مواسم الأخيرة أن أغلب هبوط للأحواض العلوية كان نحو وسط البحر المتوسط، ثم يسير إلى الشرق وهذا يعمل على فقدان الكثير من خصائص الحوض العلوي، وكثيرًا ما تبقى بلاد الشام على أطراف هذه الأحواض، وبالتالي تركيز الفعاليات على السواحل، وهناك أحواض شمال مصر التي يعتمد عليها الجنوب اعتماداً كليًا في أغلب الحالات.

من ذاكرة الطفولة، ما أبرز الفوارق بين مواسم المطر في فلسطين واليوم؟

 كانت أبرز الذكريات في موسم 1991/1992 حيث كنت في السادسة عشرة، ولن أنسى ذلك الموسم أبدًا، إذ تعرضنا خلاله لسبعة منخفضات قطبية وكانت الثلوج حاضرة في الخليل أغلب الموسم، وحتى نهاية آذار، كما بلغت كمية الأمطار التراكمية لذلك الموسم في القدس 1134 مليمترًا، أي بنسبة 210. أما أبرز الفوارق فهي افتقادنا لأمطار الخريف الرعدية المبكرة لأكثر من موسم على التوالي، ونفتقد أيضا للفعاليات الطويلة زمنيًا حيث أصبحت منخفضاتنا سريعة من 16- 42 ساعة بعكس الماضي، حيث كان المنخفض يمكث أكثر من أربعة أيام.

Exit mobile version