أوراق _ هبة الله الملكاوي
بعد أن ألقى فيروس كورونا بظلاله الوخيمة على العالم، واشتداد ذروة انتشاره مطلع العام الحالي، وجاءت نتائج فتكه الفظيعة بالعالم، فبحسب التقديرات فإن ضحايا الفيروس حتى تاريخ نشر هذا التقرير تعدت حاجز الـ 600 ألف وفاة، وأكثر من 14 مليون اصابة.
إلا أن الجائحة وقرارات الدول والحكومات في مواجهتها والحد من انتشار الفيروس والتي كان من أهمها الحجر المنزلي، مما أدى لوقف عجلة العمل في غالبية القطاعات، والذي أعطى استراحة إجبارية للبيئة من إلحاق الضرر بها نتيجة العمل البشري، مما أدى بشكل ملحوظ إلى انخفاض بنسبة انبعاثات الغازات السامة”أول اكسيد الكربون وثاني اكسيد النيتروجين“، وبالتالي أدى إلى نقاء ملحوظ في الهواء.
فعلى سبيل المثال فقد رصدت صور الاقمار الصناعية التي نشرتها وكالة الفضاء الامريكية”ناسا“ووكالة الفضاء الاوروبية، تراجع في انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين، في الصين خلال شهر يناير-كانون الثاني، أي بعد أنتشار الفيروس بشهر تقريباً.
أما على المستوى المحلي فقد رصدت مديرية الرصد البيئي التابعة لوزارة البيئة الاردنية في دراسة لها حول نسب انخفاض الملوثات في الهواء المحيط في عمان واربد والزرقاء –المدن الأكثر حيوية في المملكة-، نتيجة الاجراءات الحكومية المتخذة خلال الفترة من 15/3-15/4 من السنة الحالية لمواجهة جائحة فيروس كورونا، وكانت على النحو التالي :
حيث سجلت العاصمة عمان انخفاض غاز ثاني أكسيد النيتروجين بنسبة 48% ، كما وانخفض غاز أول أكسيد الكربون بنسبة 9%، مقارنة بالعام الماضي من التوقيت نفسه.
أما مدينة إربد فقد انخفض غاز ثاني أكسيد النيتروجين بنسبة 75.8%، وانخفض غاز أول أكسيد الكربون بنسبة 55%، مقارنة بالعام الماضي من التوقيت نفسه.
وشهدت مدينة الزرقاء انخفاض بنسبة غاز ثاني أكسيد النيتروجين بنسبة 68.4%، كما وانخفض غاز اول اكسيد الكربون بنسبة 35%، مقارنة بالعام الماضي من التوقيت نفسه.
الحيوانات البرية والغابات كان لها نصيب من الراحة أيضًا، ومن انتهاكات البشر واعتداءاتهم التي يمارسونها يوميا، فقد انتشرت العديد من الصور والفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، و التي تظهر تنقل الحيوانات في عدد من مدن العالم الخالية من البشر بسبب العزل المنزلي والتي لم تخرج لها قبل ظهور الفيروس.
فمن الكنغر الذي يتجول في احد مدن استراليا، الى أعشاش السلاحف الموجودة على بعض الشواطئ في تايلاند والتي وصل عددها الى اعلى مستوى لها منذ ما يقارب 20 عاماً، وفقاً لخبراء البيئة.
وعلى الصعيد المحلي، رصدت جمعية دبين للتنمية البيئية بالتعاون مع مديريات الزراعة المختلفة، انخفاض عدد الاعتداءات على الثروة الحرجية؛ وذلك بسبب الاجراءات التي تمنع الناس من الخروج من منازلهم.
كورونا والتغير المناخي
قال رئيس اتحاد الجمعيات البيئية عمر الشوشان أن ما حدث بانخفاض بنسب التلوث في العالم بسبب الإغلاقات ليس له علاقة بتحسن أو تقليل أثر التغير المناخي؛ موضحاً ان هذا الانخفاض هو انخفاض مؤقت، وقضية التغير المناخي مرتبطة في انبعاثات الغازات منذ الثورة الصناعية.
وأضاف أن هذه التحسن هو تحسن مؤقت لجودة ونوعية الهواء في الطبقات الدنيا من الغلاف الجوي، مشيراً الى ان الدول الصناعية هي التي ظهر عليها هذا التغير بشكل ملفت كالهند والصين وغيرها من الدول الصناعية .
ويتوقع الشوشان ان تزيد نسب الانبعاثات السامه نتيجة تزايد الانشطة الانتاجية الاقتصادية، وذلك بعد عودة الامور لطبيعتها؛ لتعويض الخسارة التي حصلت اثناء فترة كورونا، مؤكدًا أن المسبب الرئيسي لزيادة الانبعاثات هي الدول الصناعية التي تمتلك شركات كبرى على أراضيها وهذا ما يزيد من حدة التغير المناخي.
وأشار إلى أن الأردن ملتزم بـ 14% من خط الانبعاثات وفقاً لاتفاقية باريس، وأنه لخفض الانبعاثات يجب أن يكون هناك قرار استراتيجي كإجراءات رسمية وليس نتيجة لإجراءات عارضة.
ويرى أن المسبب الرئيسي في الاردن لارتفاع الغازات هو قطاع الطاقة وقطاع النقل والصناعة، وضرورة التركيز عليهم من قبل الحكومة.
وعن جهود وزارة البيئة واجراءتها خلال الجائحة قال أن وزارة البيئة طالبت بتشكيل لجنة توجيهية عليا للبيئة تضم الوزراء المعنيين كوزير المياه، و وزير الطاقة، وامين عمان، ورؤساء غرف الصناعة والتجارة؛ لأن وزارة البيئة ليست وحدها التي تملك الحل لمشاكل البيئة بل يجب أن يكون هناك تعاون بين جميع الجهات المعنية، متابعًا أن بتغيير نمط الحياة التي يعيشها المواطن والتي تعتمد بشكل كبير على الاستهلاك دون الإنتاج تخفف من أثر التغير المناخي، كالتخفيف من عدد السيارات والأكياس والمعلبات المصنوعة من البلاستيك والتفكير بطريقة مستدامة في الاستهلاك.
ويؤكد ان هذا التوجه سيخفف من نسب التلوث ويزيد من الانتاج، مضيفاً ان الإعتماد على العمل عن بعد سيؤثر على استهلاك وتلف الالكترونيات، مشيراً الى أن مخلفات الإلكترونيات تقدر بحدود 50 مليون طن بمقدار 62 مليار دولار سنوياً وذلك حسب احصائية الامم المتحدة.
وفيما يخص أثر هذه الإجراءات على التنوع الحيوي محلياً يقول الشوشان:”أن من واقع التجربة والمنطق ليس من السهل ان يستعيد اي نظام طبيعي عافيته بهذه الفترة الزمنية، بل يحتاج لفترة لا تقل عن عشر سنوات ليكتمل ويستقر ويكون لدية القدرة والصمود ليشكل نظاما بيئيا منيعا“.
أما رئيس جمعية التنمية للإنسان والبيئة الاردنية أحمد شريدة فيقول إن انخفاض التلوث سيؤثر بشكل إيجابي على التغير المناخي على المدى البعيد، مبيناً أن التقليل من استخدام الوقود الاحفوري سيؤدي الى انخفاض نسبه ثاني اكسيد الكربون في الجو، مؤكداً أن هذا ما يعطي مساحه للفضاء من أجل تنقية الأجواء ليساهم في التقليل من تأثير التغير المناخي علي الاردن والمنطقة والعالم أجمع.
وأضاف شريدة أن هناك عدد من الحيوانات التي يعتقد انها انقرضت بدأت بالعودة، إضافة لمشاهدة أنواع عديدة من الطيور المحلية والمهاجرة، والمستوطنة بأعداد كبيرة، مثل”الثعلب الاحمر“و”الوشق“قد عادت تظهر من جديد في أركان الغابة وحتى الطيور بأشكالها وأنواعها أصبحت فرحة بالحرية التي أتيحت لها نتيجة الغياب البشري.
وأشار إلى نمو بعض النباتات الطبية والعطرية والشجيرات بشكل كبير غير العادة بظروف استثنائية قامت بها الطبيعة خلال فتره الحظر، مما أعطى فسحه كبيره للتنوع الحيوي، فقد لوحظ خلال الفترة القليلة الماضية أن المجموع الخضري لمختلف الاشجار المثمرة والحرجية والشجيرات تتنفس خاصة في غابات برقش الموجودة في لواء الكورة.