أوراق _ م يكن هناك متسع من الوقت عدا الصحافة حين بدأ الإعلامي وليد البطراوي عمله كمترجم فوري بداية حياته المهنية، ثم إعلامي منذ أوائل التسعينيات مروراً بأواسط السنين العشر الأولى من الألفية الثالثة، إلا في السنوات الأخيرة، حيث بدأ يجد الوقت بعد ابتعاده عن التغطية الإخبارية اليومية، واستلامه عملاً إعلاميا بمساحة أكبر من الحرية، حينها، التفت حوله ونظر بعين فاحصة ناقدة لتحسين حيّه ومن ثم مدينته رغبةً بتغيير سلوكيات خاطئة في شعبه. بدايةً من خلال مقال أسبوعي “ومضات”، ومع ظهور الفيسبوك تطور الأمر ليصبح أكثر تأثيرا في انتقاد أخطاء تنظيمية من قبل البلديات، وأضرار بيئية وتقصير رسمي وتصرفات خاطئة، وكل ذلك دون ملل أو كلل أو تردد أملاً في التغيير. وفق مجلة افاق للبيئة.
حب البطراوي -الذي اعد أول دليل عن التحقيقات الاستقصائية في فلسطين- للتغيير وتحسين الواقع من حوله وتقدير الطبيعة الجميلة والبيئة النظيفة ارتبط منذ الصغر حيث نشأ في بيت يعشق الثقافة فوالده محمد البطراوي كان صحفياً وكاتباً ومصوراً وخطاطاً، عدا أنه كان عاشقاً للطبيعة.
إرث كبير
“حين أحصينا عدد الكتب في مكتبة والدي وجدنا أن عددها تعدى العشرة آلاف، ولكم أن تتخيلوا تأثير والدي على مسيرتنا الفكرية” يقول البطراوي.
وأضاف البطراوي الابن وهو يجلس في مكتبه المزدحم ومن خلفه نبتة البامبو: “كان والدي يأخذنا كل جمعة إلى أحراش الإرسال وتلك في شارع نابلس “البالوع” حيث مصنع الدواء الشهير…لم نكن نملك سيارة بل نسير على أقدامنا ونتأمل تلك الخضرة الساحرة، مشهد تلاشى أمام غزو الاسمنت”.
صحفي مجتهد
الملفت في سيرة الصحفي البطراوي الذي سكن القدس ثم رام الله بعد أن لجأت أسرته من أسدود بعيد النكبة، والذي أصبح من أهم أعلام الصحافة في الوطن بعد 25 عاماً من العمل الصحفي في كبرى المؤسسات الدولية “BBC ” والجزيرة الانجليزية والحائز على جائزة “ناتالي” للصحافة العالمية عام 2003، الملفت انه لم يدرس الصحافة كلقب أول حيث درس في روسيا ثلاث سنوات هندسة المياه التخصص الذي لم يستهويه، فتركه في السنة الثالثة ليلتحق بجامعة بيرزيت ويدرس علم الاجتماع بالتزامن مع العمل الصحفي بموهبة متوارثة ومهارة مكتسبة، وبعدها بأعوام، صقل خبرته بأن نال الماجستير في الاتصال الجماهيري من جامعة ليستر في بريطانيا.
“لم ادرس الصحافة في البداية ، لكني عملت بها بحكم معرفتي بلغات أربع “العربية والانجليزية والروسية والعبرية” في البداية كمترجم ثم كصحفي فارتبطت بها ارتباطاً وثيقاً، عدا عن ارث والدي في هذا المجال والذي قربني من الكتابة والتصوير منذ الصبا”. يشير البطراوي.
يؤكد الصحفي البطراوي أن دراسته لعلم الاجتماع وسّعت مدارك فهمه لكثير من القضايا المجتمعية والتي انسجمت مع عمله الصحفي، حيث اعتبر هذا الدمج من أهم الركائز التي جعلته ينجح في عمله الإعلامي.
قيمة فقدناها
في ذاكرة البطراوي وكلما كان يزور الوطن في الإجازات أثناء تعليمه في روسيا (الاتحاد السوفيتي سابقا) خلال فترة الانتفاضة الأولى أواخر الثمانينيات، مشاهد لا يمكن نسيانها، وهي ذلك التكاتف والعمل الوطني التطوعي الذي كانت تقوم به اللجان الشعبية لتشجيع الاقتصاد المقاوم، والاعتماد على الذات، والتخلص من سيطرة المحتل في عملية إطعامنا.
يقول: “كنت أرى في كل قطعة ارض أو خربة جنّة مزروعة بالخضار والحبوب للاكتفاء منها ذاتياً، فكرة وثقافة قطفت ثمارها في حينه، لكننا لم نعد نلمسها في وقتنا الحالي”.
البطراوي حول العالم
يحب البطراوي من الدول التي سافر إليها وهي عديدة بحكم عمله الصحفي، طبيعة روسيا الخلابة، وبالرغم من أن الثلج يكسو موسكو من أواسط الخريف حتى الربيع لكن البلديات تبرع في جعل الثلج واقعاً غير مدمر أو مؤذٍ للشجر والنبات. وهذا أمر مبهر، مقابل الدمار الذي تحدثه أي ثلجة بسيطة في بلادنا. كما يحب البطراوي طبيعة السويد وفن العمارة في براغ.
حول الخصوصية الجمالية لوطننا يقول: “بالرغم من جمال الدول الغربية، لكنها لا تحمل التنوع الجغرافي ولا المناخي كما في بلادنا، فمن أريحا الدافئة إلى القدس الباردة ثم الساحل الرطب فالجبال القارصة البرودة، نِعمٌ عظيمة لكنها غير مقدرة بفعل الاحتلال وغياب السيادة أولاً، ومن جانبنا ضعف الوعي الشعبي وغياب الجهود الرسمية لاستغلال هذا التنوع سياحياً قدر المستطاع والمتاح”.
البطراوي يصبح مؤثراً
يقول بطراوي الذي يؤكد انه بات يشكل قلقاً لبعض الناس والتي عبرت له أكثر من مرة عن خوفها من ارتكاب أي سلوك خاطئ خوفاً من الكتابة عنها في الصحافة أو الفيسبوك.
|
قصة البطراوي مع التغيير وحقيقة أنه أصبح فاعلاً بدأت حين ارتاح من الأخبار اليومية واستلامه إدارة برنامج BBC Media Action أو الذراع التنموية للإذاعة البريطانية، بالتزامن مع شرائه بيتا مع حديقة في الطيرة، بدأ بزراعتها وتزيينها ما جعله يتردد على المشاتل ويسأل ويهتم بجوانب الشجر والنبات، وقتها، وجد الوقت ليتأمل حيه ومن ثم مدينته، وبدأ ينتقد لكن ضمن تعريف النقد البناء الهادف من اجل التحسين والتطوير.
بدأ البطراوي كتابة ومضاته منذ عام 2005، واحتفى مؤخراً بـ600 ومضة كتبها بأسلوب انتقادي ساخر أملاً في التغيير وتحسين الواقع سواء أكان “سلوكاً، نظاماً، أم بيئة”، ويرى أن ومضاته تلقى صدىً ولها قراء عديدون، ويتذكر أهم المواقف التي حدثت له مع ومضاته: قصة حافلة صغيرة كانت تنقل عدد طلبة مدرسة يعادل ثلاثة أضعاف سعة الحافلة، فكتب عنها ومضة لتتواصل معه الجهات الرسمية ويزودها بالمعلومات الكاملة سعياً لحماية الأطفال، وبالرغم من المتابعة من قبل الشرطة، إلا أن الموضوع من وجهة نظر البطراوي يصبح بلا جدوى في حال غياب الرقابة عموماً والمتابعة. ويذكر لنا أيضا التفات الوزراء وصناع القرار لومضاته حيث مازحه مرة أحد الوزراء: “هل قصدتني تلك المرة في إحدى ومضاتك؟ فأجبته بلا، وأكملت: لكني سأقصدك في الأسبوع القادم”.
” بالنسبة لي كل شي بيئة، المرور بيئة. الصحة بيئة. الضوضاء والتلوث بيئة. كل شيء أكتب عنه يصب في تحسين البيئة”. يؤكد البطراوي.
عالم البطراوي الافتراضي “صندوق شكاوٍ بامتياز”
“أنا سعيد أني أصبحت صندوق شكاوى لكثير من الناس، مساهماً قدر الإمكان في ترك أثر. فالكثير أصبح يجد في صفحتي على الفيسبوك منبراً لإرسال صورة لمخالفة أو سلوك خاطئ، هم يدركون أن الشكوى من خلالي ربما لكوني إعلامي وعلى اتصال مع البلديات ستسمعُ، لذلك يتشجعون ويزودونني يومياً بما يلتقطونه من صور”. يقول بطراوي الذي يؤكد انه بات يشكل قلقاً لبعض الشخصيات والتي عبرت له أكثر من مرة عن خوفها من ارتكاب أي سلوك خاطئ خوفاً من الكتابة عنها في الصحافة أو الفيسبوك.
في زمن العالم الافتراضي، أصبح الوصول إلى الجمهور والجهات المعنية أكثر سرعة وتزامناً مع الواقعة أو الحدث، وخاصة أن للبطراوي ما يزيد عن الـ 2000 صديق، وهذا ما حدث حين انتقد مشكلة إشارات المرور وطمم بناءٍ ملقى على طرف الشارع حيث استجابت بلدية رام الله لكثير من احتجاجاته، كما استجابت بلدية البيرة لصورة نشرها عن مكب كريه في مدخل البيرة مقابل مستشفى الهلال، وتمت إزالته فور نشر صورة وضعها على صفحته بعد سنوات من تواجد المكب المقزز.
“للأسف الناس قلما تشتكي الناس ربما لغياب آليات واضحة للشكوى أو ضعف الاستجابة في أحيانٍ كثيرة، كما أن المبادرات الفردية تجاه البيئة تكون نادرة لدى كثيرٍ منهم”. يفيد البطراوي
في مرة، قام وليد بحركة عُدّت جريئة، حيث صورها ونشرها على الفيسبوك، وتمثلت في قيامه الصعود على السيارات التي تصف على الرصيف احتجاجاً منه على انتهاك حق المشاة في هذا الممر الآمن، ذاكراً في ذات السياق، قصة طريفة حين شاهده مرة مواطن وسلّم عليه واخبره انه يخشى أن يصف على الرصيف بسببه، فتساءل البطراوي عن مشاهدته لصور الاحتجاج على صفحته، فأومأ بالإيجاب وزاد على ذلك أن السيارة التي صعد عليها البطراوي وصورها آنذاك كانت مركبته!
ويكمل: “مشكلتنا في غياب الرقابة والثقافة والوعي، نحن بحاجة إلى ثقافة السلوك الصحيح، فسلوك الأهل الخاطئ ينتقل للأبناء وهكذا دواليك، يجب التوعية بدءا من المدارس”.