أوراق – م تعلم السبعينية “ام خالد” التي تعيش في أحد أزقة مخيم العروب بمحافظة الخليل أن حلمها بامتلاك حديقة منزلية أصبح حقيقة، سيما بعد نجاح حفيدها “احمد” احد طلاب مدرسة العروب الزراعية بتحويل سطح منزلها الى بستان صغير تمارس فيه ذكريات الماضي الجميل رغم اندهاشها الدائم من طريقة الزراعة بالماء بدلاً من التربة. فأيام اللجوء لم تمحِ من ذاكرتها خيرات مزرعتها التي هجرت منها قسرا من “عراق المنشية”، حيث وجدت في مجموعة الأنابيب البلاستيكية المثقوبة التي ركبها حفيدها بطريقة منتظمة فوق سطح منزلها واستخدمها في زراعة الخضروات ونباتات الزينة، فرصة لتغيير واقع اختفاء الأراضي الزراعية وسط ظاهرة التمدد العمراني العشوائي في المخيم، حيث أن هذا النظام يعتمد على القليل من المساحة والمياه والزراعة دون تربة.وفق مجلة افاق للبيئة.
ستغلال العلم
وقوع مدرسة وكلية العروب الزراعية بالقرب من المخيم، المتنفس الوحيد لسكانه، ساهم في تعرف الأهالي هناك على الكثير من النماذج التعليمية التي اُستغلت في تخفيف أعباء الازدحام وقلة الموارد، حيث وجد بعض المواطنين في النماذج المستخدمة كبدائل زراعية في إنتاج الخضراوات دون الاعتماد على التربة وسائل جيدة لنقلها الى أسطح منازلهم خاصة في ظل شح المياه وقلة الأراضي الزراعية ومحاصرة الاحتلال لمعظم الأراضي المحيطة بالمخيم.
المياه المستخدمة في الري بالزراعة المائية
طريق للحياة
الطالب احمد يونس يصرح بأنه وجد في استخدام النموذج الزراعي الذي ابتكره معلمو مدرسة العروب الزراعية وسيلة لإنشاء مزرعة صغيرة فوق منزل العائلة التي تحيطه جدران البيوت من جميع الجهات، حيث طمح بهذا المشروع تحقيق حلم جدته في امتلاك مزرعة صغيرة تشبه الى حد ما تلك المزرعة التي سمع عنها كثيراً، وما زالت جدته تتغنى بجودة محصولها من خضروات وفاكهة الى يومنا هذا، إضافة الى انّه فكر بتوفير بعض احتياجات المنزل من الخضروات وتزين المنزل ببعض الزهور، حيث قام بتوصيل مجموعة من المواسير البلاستكية المثقوبة بشكل متوازي وأوصلها بوعاء يحتوي على الماء، تُرّكب عليه مضخة صغيرة تسمح بوصول الماء والمحاليل الغذائية الى جذور النباتات المزروعة في أوعية بلاستيكية مثقوبة، هذه الطريقة في الزراعة أسرت كل الناظرين إليها وهم يشاهدون النباتات تشق طريقها إلى الحياة، لتصبح بعد نجاحها طُموحاً لكل سكّان المخيم.
جودة عالية للخس المزروع بالزراعة المائية
أسطح باللون الأخضر
المهندس محمد عوض من مدرسة العروب الزراعية والذي اشرف على عملية ابتكار هذه الوسيلة يفيد: “نحن أمام نموذج للزراعة المائية، يعتبر تجربة فلسطينية ناجحة لاستخدام أوساط مائية لعملية زراعة النباتات، حيث تعتبر هذه الوسيلة من البدائل الناجحة التي تعتمد على القليل من المساحة والمياه، وفي المقابل يتم الحصول على إنتاج وفير من الخضراوات الخالية من المواد الكيماوية، من خلال تغذية النباتات بمحاليل عضوية. مؤكدا ان مشاهدته يوميا للكثافة السكانية التي يعيشها سكان مخيم العروب أثناء ذهابه للمدرسة ساهمت في بحثه عن نموذج يمّكن المواطنين هناك من الزراعة فوق أسطح منازلهم إما لممارسة هوايتهم أو لتوفير احتياجاتهم من الخضار.
وتابع عوض أن سهولة صناعة هذه النموذج يجعل منها وسيلة سهلة للتطبيق في المخيمات وبعض الأحياء الفلسطينية التي لا تتوفر فيها مساحات خضراء للزراعة، حيث تتكون كل واحدة من خمسة مواسير بقطر أربعة انشات وبطول مترين حيث تربط هذه المواسير بخزان مياه مركب عليه مضخة تقوم بضخ المياه على شكل دورة كل 15 دقيقة، تغمر خلالها جذور النباتات المزروعة بواسطة أوعية بلاستكية لبضع دقائق بالماء المضاف له العناصر الغذائية الضرورية.
وأضاف بأن هذه النموذج لم يسجل أي هدر في كمية المياه المستخدمة في عملية نمو النبات، واثبت نجاحه في زراعة العديد من أصناف الخضروات التي يستهلكها المواطنون بشكل يومي كالخيار والبندورة والخس والباذنجان إضافة إلى النعناع وبعض نباتات الزينة.
طريقة استخدام الاوعية البلستكية في الزراعة المائية
مجدٍ اقتصاديا
من جانبه أشار المهندس الزراعي احمد الحيح من مدرسة العرّوب أن المشروع مجدٍ اقتصاديا بالمقارنة مع سرعة نمو النباتات ووفرة الإنتاج، كما أن المواد المصنوعة منها الوحدات المستخدمة في الزراعة “مادة البلاستيك” تدوم طويلا ولا تكلف الكثير من المال، فـزراعة سطح منزل تبلغ مساحته 150م2 يستوعب ست وحدات زراعية بنحو 300 نبتة متنوعة، بتكلفة تقارب ألف دولار تنفق مرة كل 10 سنوات.
اما فيما يتعلق بالمياه فإن هذا النموذج يوفر كما يتابع الحيح نحو 80% من المياه بالمقارنة مع الزراعة التقليدية، كما أنه يعتمد على الزراعة العضوية وبهذا يكون الإنسان والبيئة في مأمن من الأضرار الناتجة عن استخدام المبيدات الكيماوية.
وأمام هذا النموذج المميز …لا بد من القول إن نجاح هذه المشروع في الوصول إلى منازل المواطنين المحاصرين بالكتل الإسمنتية سواء كانوا في المخيمات أو في المدن الفلسطينية حتما سيساهم في إعادة الإنسان الفلسطيني إلى الطبيعة، عبر الاعتماد على توفير ولو جزء بسيط من احتياجات منازلنا من الغذاء بأيدينا.