أوراق ميديا _الدنمارك
اتخذت السلطات الدنماركية إجراءات الإغلاق الكامل لمنطقة يسكنها 280 ألف شخص في شمال البلاد، بعد أن أصاب نوعاً متحوراً من فيروس كورونا، حيوان المنك الذي تتم تربيته من أجل الفراء.
هذا الأمر، أجبر السلطات على إصدار قرار بإعدام 15 مليون حيوان يتم تربيتهم في 1139 مزرعة في الدنمارك.
ورغم عدم وجود دليل على أن الطفرات تُشكل خطراً على البشر، لكن السلطات الدنماركية فضلت عدم المخاطرة بانتشار جدي يُزيد الأمر سوءاً في بلد أبلغ عن أكثر من 730 حالة وفاة وأكثر من 53 ألف حالة إصابة بفيروس كورونا.
والدنمارك ليست الوحيدة التي تبلغ عن ظهور حالات مرتبطة بمزارع حيوانات المنك، إذ أعلنت “منظمة الصحة العالمية”، السبت، أن الولايات المتحدة الأميركية وإيطاليا وهولندا وإسبانيا والسويد، أبلغت أيضاً، عن ظهور حالات إصابات جديدة بفيروس كورونا، ارتبطت بمزارع لحيوانات المنك.
كيف تحوّر الفيروس؟
في يناير الماضي؛ أصدر باحثون أول تسلسل جينومي للفيروس المسبب للجائحة الحالية، واستخرج علماء الوراثة حول العالم عينات من المصابين للكشف عن السلسلة المكونة من حوالي 30 ألف حرف، للبحث عن إجابات من شأنها تعزيز فهمنا للفيروس بصورة أفضل.
وبينما تظهر الطفرات باستمرار في الفيروسات؛ يُمكن القول إن معظمها “تُهدد الفيروس ولا تهددنا نحن”، حسب قول ديفيد مونتيفيوري، أستاذ ومدير مختبر أبحاث لقاح الإيدز في “المركز الطبي لجامعة ديوك” الأميركية، في تصريحات لـ”الشرق”، معتبراً أن “طفرة الدنمارك طبيعية ومتوقعة”.
ولكن إلى أيّ حد يُمكن أن تكون تلك الطفرة خطيرة؟
تُعد الطفرات جزءاً طبيعياً من أي كائن، بما في ذلك الفيروسات. الغالبية العظمى ليس لها تأثير على قدرة الفيروس على نقل أو التسبب في المرض، فالطفرة تعني في الأساس تغييراً في ترتيب الحروف في تسلسل الحمض النووي.
ورغم أن طفرة أساسية تسببت في انتقال الفيروس إلى أول مضيف بشري في أواخر عام 2019، إلا أنه منذ ذلك الوقت وحتى الآن، تم العثور على 13 ألف طفرة في الفيروس التاجي الجديد، لكن طفرة المنك تختلف عن باقي الطفرات.
انتقال محتمل للبشر
وحسب “المركز الأميركي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها”؛ تم الإبلاغ عن إصابة عدد صغير من الحيوانات الأليفة في جميع أنحاء العالم بالفيروس التاجي الجديد؛ غالباً بسبب الاتصال الوثيق مع الأشخاص المصابين بـ”كوفيد-19”.
ويقول المركز، إن المعلومات “المحدودة” التي نمتلكها الآن، تُشير إلى احتمالية انتقال الفيروس من البشر إلى الحيوانات، ففيروسات كورونا عائلة كبيرة، وتتسبب في حدوث أعراض تُشبه البرد لدى البشر، كما يتسبب بعضها في أمراض معينة لحيوانات كالإبل والماشية والخفافيش.
لكن، هل يعني انتقال الفيروس من البشر للحيوانات إمكانية نقل تلك الفيروس مرة أخرى للبشر؟
يقول مونتيفيوري في تصريحاته لـ”الشرق”، إنه أمر وارد الحدوث بالطبع، “إلا أن الاحتمالية تبقى بعيدة”.
ورغم أن معظم الدراسات العلمية تُشير إلى أن الجائحة الجديدة تسبب فيها انتقال الفيروس من الخفاش إلى آكل النمل الحرشفي، ومنه إلى البشر، إلا أن ذلك النوع من الطفرات “نادر الحدوث”.
كورونا يتطور ببطء
ولحسن الحظ؛ يتطور فيروس كورونا ببطء شديد؛ أقل بمرتين إلى ست مرات من عدد الطفرات التي اكتسبتها فيروسات الإنفلونزا خلال نفس الفترة.
ومع ذلك، فإن الطفرات هي حجر الأساس الذي يمكن أن يعمل عليه الانتقاء الطبيعي.
ومن المعلوم أن الطفرات الأكثر شيوعاً تجعل الفيروس غير فعّال، أو ليس له أي تأثير على الإطلاق. ومع ذلك، فإن احتمال تأثير الطفرات على قابلية انتقال فيروس من البشر موجودة باستمرار.
مخاطر الحيوانات الأليفة
وليست تلك المرة الأولى التي يظهر فيها الفيروس في الحيوانات، إذ أعلنت هولندا سابقاً إصابة مجموعة من حيوانات المنك بالفيروس. كما أعلنت العديد من الدول – بعد فترة وجيزة من انتشار فيروس كورونا المستجد في جميع أنحاء العالم – عن حالات إصابة في الحيوانات، شملت قططاً أليفة في هونغ كونغ، ونموراً في حديقة حيوانات بمدينة نيويورك.
وحتى الآن، تم الإبلاغ عن حالتين فقط من الحيوانات تنقل الفيروس إلى البشر، وبالتالي فمن المعروف أن فرص الإصابة بالمرض من حيوان مصاب ضئيلة مقارنة بخطر إصابة الحيوان من الشخص المريض.
ولكن مع انخفاض أعداد المصابين وتخفيف القيود المفروضة على الحركة، قد يكون لدى الحيوانات المصابة القدرة على إثارة فاشيات جديدة.
ويدعو الباحثون إلى أخذ عينات مكثفة من الحيوانات الأليفة والماشية والحياة البرية، لتحسين فهم المخاطر.
ولأن معلوماتنا حول الفيروس لا تزال قليلة نسبياً، “فإن طريقة الانتقال العكسي – من الحيوانات للبشر- لا يُمكن توقعها”، حسبما تقول جوان سانتيني، الباحثة في مختبر الأحياء الدقيقة بكلية لندن في تصريحات خاصة لـ”الشرق”.
يذكر أن ما يقرب من 12 نوعاً من الحيوانات معرضة للإصابة بالفيروس، ومن المؤكد تقريباً أن العديد من الأنواع، بما في ذلك الكلاب والقطط الأليفة، والأسود والنمور الأسيرة، وحيوانات المنك، قد أصيبت بالفيروس من البشر.
وربما يعني هذا أن الكلاب والقطط والمجموعة التي تضم المنك، وابن عرس، والغرير، يمكن أن تكون أيضاً عرضة للإصابة، ويمكن أن تنقلها بالتبعية -بعد تحويرها- إلى البشر، ولكن حتى الآن، لم يتحقق أحد من صحة تلك الفرضية.
الهامستر والأرانب والقرود عرضة للإصابة أيضاً، وفقاً للتجارب المخبرية التي تم فيها إصابة الحيوانات عمداً، كما تظهر التجارب على الخنازير والبط والدجاج، أنها ليست حساسة للإصابة، ولكن لم تكن هناك دراسات لحيوانات الماشية الأخرى، مثل الأبقار والأغنام والخيول.
العلاقة بين إصابة الحيوان والبشر
لكن حقيقة، أن حيواناً يمكن أن يصيب نوعاً آخر من نفس النوع، لا تعني بالضرورة أنه يمكن أن يصيب البشر. ولذا يحتاج الباحثون إلى فهم أفضل لمقدار الفيروس الذي يحتاج الشخص إلى التعرض له، قبل أن يصاب.
فالحيوانات التي تدعم تكاثر كميات كبيرة من الفيروسات، وتتواصل عن قرب مع البشر، يجب مراقبتها عن كثب، لكن “من دون هلع” حسب رأي مونتيفيوري.
وفي ما يتعلق بحيوانات المنك؛ يشير التحليل الجيني الذي أجري سابقاً في هولندا، إلى أن شخصاً في إحدى المزارع يمكن أن يكون قد أصاب ذلك الحيوان بالعدوى، لكن؛ هل يمكن أن تصبح العملية معكوسة؟.
حتى الآن؛ من الصعب للغاية إثبات اتجاه الانتقال المعاكس (من الحيوان إلى الإنسان). ويمكن أن يساعد العثور على فيروسات وثيقة الصلة، جنباً إلى جنب مع أدلة ظرفية أخرى، مثل الجدول الزمني للتعرض وظهور المرض، أن يساهما في فهم الأمر بصورة أكبر، لكن سانتيني تقول إن الوقت اللازم لعملية الفهم “سيكون طويلًا للغاية”.
نقل عن موقع الشرق للأخبار