أكدت دراسة حديثة أن تزايد إطلاق الصواريخ بات يشكل تهديدا خطيرا لطبقة الأوزون وتلوث الخلاف الجوي، وبينما تُبشّر صناعة الفضاء المتنامية بآفاق واعدة، يُحذّر الباحثون من تجاهل آثارها البيئية.
ومع وجود آلاف الأقمار الصناعية الآن في مدار أرضي منخفض، فإن الانبعاثات الناجمة عن عمليات الإطلاق والحطام الخلفي تجعل أجراس الإنذار تدق بشأن سلامة الغلاف الجوي.
وقام فريق من العلماء من جامعة كانتربري بالمملكة المتحدة والمعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ بالتحقيق في كيفية إبطاء التلوث الناجم عن إطلاق الصواريخ وسقوط الحطام الفضائي، وتعافي طبقة الأوزون.
واستخدم الباحثون نموذجا كيميائيا مناخيا تم تطويره في المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ والمرصد الفيزيائي للأرصاد الجوية في دافوس بسويسرا للتنبؤ بتأثيرات انبعاثات الصواريخ حتى عام 2030.
ويتوقع النموذج أنه إذا استمرت اتجاهات نمو الإطلاقات الحالية، فقد تنخفض طبقة الأوزون العالمية بنحو 0.3% بحلول عام 2030. وفي القارة القطبية الجنوبية قد تصل الخسائر الموسمية إلى 4%.
وقد تبدو هذه الأرقام صغيرة، لكن السياق مهم. ولا تزال طبقة الأوزون تتعافى من الضرر الناجم عن “مركبات الكلورو فلورو كربون” (CFCs)، التي حُظرت عام 1979 بموجب بروتوكول مونتريال.
كما ما تزال مستويات الأوزون العالمية أقل بنحو 2% عن مستويات ما قبل الصناعة، ولا يُتوقع أن تتعافى بشكل كامل حتى عام 2066، وبحسب الباحثين، فإن الانبعاثات الصاروخية غير المنظمة قد تؤخر هذا الجدول الزمني لعدة سنوات أو حتى عقود.
وفي عام 2019، لم يكن هناك سوى 97 عملية إطلاق مدارية. وبحلول عام 2024، تضاعف هذا العدد 3 مرات تقريبا ليصل إلى 258 عملية، ومن المتوقع أن يرتفع إلى أكثر من ألفي عملية إطلاق سنويا بنهاية العقد.
وتعد هذه الزيادة مثيرة للقلق لأن الانبعاثات في الغلاف الجوي العلوي تستمر لفترة أطول بكثير من تلك التي يتم إطلاقها على مستوى الأرض، وبدون عمليات التنظيف الطبيعية مثل المطر أو السحب، يمكن لهذه الملوثات أن تدور حول العالم وتبقى في الهواء لسنوات.
لماذا لا تزال طبقة الأوزون مهمة؟
قد تبدو طبقة الأوزون جزءا نائيا من الغلاف الجوي، لكنها تلعب دورا حيويا في حماية الحياة على الأرض. فهي تمتص معظم الأشعة فوق البنفسجية الضارة من الشمس، والتي قد تسبب سرطان الجلد، وإعتام عدسة العين، وتلف الجهاز المناعي لدى البشر.
كما أنها تؤثر على النظم البيئية، وخاصة الحياة البحرية، من خلال التأثير على صحة العوالق النباتية، وهي كائنات حية صغيرة تشكل قاعدة السلسلة الغذائية في المحيط.
وحتى الانخفاض الطفيف في الأوزون قد يزيد من كمية الأشعة فوق البنفسجية التي تصل إلى سطح الأرض. فأي انخفاض قابل للقياس هو أكثر من مجرد رقم، بل يمثل إنذارا حسب الدراسة.
وقد يؤدي الضرر المستمر إلى المزيد من التهديدات الصحية المرتبطة بالأشعة فوق البنفسجية، وإحداث اضطراب في النظم البيئية الحساسة، وتقويض المكاسب التي تحققت منذ حظر مركبات “الكلورو فلورو كربون”، فكل نقطة مئوية من التعافي لها أهميتها، وكل تأخير يهدد سلامة الإنسان والبيئة.
وتشير الدراسة إلى أن المشكلة تكمن أساسا في انبعاثات غاز الكلور والسخام. إذ يُفكك الكلور جزيئات الأوزون، وتُسخّن جزيئات السخام الغلاف الجوي الأوسط، وهذا يُسرّع التفاعلات الضارة بالأوزون.
وتشكل محركات الصواريخ الصلبة المصدر الرئيسي لانبعاثات الكلور، في حين تطلق معظم أنواع الصواريخ السخام، وهذا يعني أن الغالبية العظمى من عمليات الإطلاق لا تزال تسهم في استنفاد طبقة الأوزون.
وركزت الدراسة على الانبعاثات أثناء صعود الصواريخ، لكن معظم الصواريخ والأقمار الصناعية أيضا تحترق عند دخولها الغلاف الجوي، مطلقة أكاسيد النيتروجين وجزيئات معدنية.
وتضر أكاسيد “النيتروجين” الأوزونَ، في حين أن المعادن يمكن أن تشكل سحبا أو تعمل كسطح كيميائي يعمل على تسريع فقدان الأوزون.
ولا يزال العلماء يفتقرون إلى فهم كاف لهذه التأثيرات، وغالبا ما يُغفلونها في نماذج المناخ. ولكن مع النمو السريع لمجموعات الأقمار الصناعية، سيعود المزيد من الحطام إلى الغلاف الجوي، مما يجعل هذا المجال مُلحا لإجراء المزيد من الأبحاث.
ويعتقد الباحثون أن الوقت لا يزال مناسبا للتحرك. فتحسين مراقبة الانبعاثات، واستخدام وقود أنظف، وتشجيع التحول إلى أنظمة التبريد العميق، كلها عوامل قد تساعد في حماية طبقة الأوزون، كما أن وضع قواعد تنظيمية دولية من شأنه أن يسمح لصناعة الفضاء بالنمو بشكل مستدام.
المصدر: الجزيرة + وكالات