أوراق ميديا ـ مرصد ـ تئنّ الواحات المغربية تحت وطأة أزمة مناخية متصاعدة تهدّد وجودها وتدفع بها نحو حافة الاندثار. فمع تصاعد درجات الحرارة وتراجع الموارد المائية، تواجه هذه المناطق البيئية الهشة موجة من الجفاف، التصحر، وحرائق النخيل، ما يعمّق هشاشة نظمها الطبيعية ويقوّض سبل عيش المجتمعات المحلية.
تُعد الواحات من أكثر النظم البيئية تأثرًا بالتغير المناخي، إذ تنتشر في المناطق القاحلة الصحراوية وتُشكّل حزامًا بيئيًا حساسًا في مواجهة ارتفاع الحرارة وندرة المياه. ويؤثر هذا الواقع بشكل مباشر على سكانها الذين يعتمدون في معيشتهم على الزراعة التقليدية والنخيل، ما يسرّع وتيرة الهجرة الداخلية بحثًا عن سبل أفضل للحياة.
وتُشير بيانات الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان إلى أن المغرب فقد نحو 40% من إجمالي مساحته الزراعية الواحية، ما ينذر بخطر حقيقي يُهدّد الأمن الغذائي والتوازن البيئي في البلاد.
نزوح بيئي صامت
تُغطي الواحات المغربية نحو 15% من مساحة البلاد، وتتركز بشكل رئيسي في الجنوب الشرقي المحاذي للصحراء الكبرى، حيث يعيش فيها قرابة 2.2 مليون نسمة يمثلون حوالي 6% من السكان. ورغم أن هذه الواحات تحوي كنوزًا من التراث البيئي والثقافي، إلا أن التغيرات المناخية تدفع سكانها إلى النزوح نحو المدن.
تُعد هذه المناطق من أكثر النقاط الساخنة للهجرة الداخلية بسبب ندرة المياه، بحسب تقارير المنظمة الدولية للهجرة، ما يجعل من الواحات أحد أبرز الأمثلة على تأثيرات التغير المناخي في العالم العربي.
في قلب النقاش المناخي الدولي
هذه التحديات كانت محورًا رئيسيًا في المؤتمر الدولي الثاني للواحات ونخيل التمر، الذي اختتم أعماله مؤخرًا في مدينة ورزازات المغربية. وشكّل المؤتمر منصة دولية لعرض تجارب الحفاظ على النظم الواحية وتعزيز مرونتها المناخية، من خلال تقنيات إدارة المياه والتربة، وتشجيع الابتكار البيئي.
وخلال المؤتمر، أكّد المهندس محمد باشري، مدير الاستراتيجية والتعاون بالوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات، أن هذه المناطق تُعدّ “صمام أمان” في وجه التصحر، مشيرًا إلى أن الضغوط المتزايدة على الموارد الطبيعية تُهدد التنوع البيولوجي وتهدم التوازن الهش للمنظومة الواحية.
جفاف وحرائق… مؤشرات الخطر المتزايد
تسارعت وتيرة تدهور الواحات بفعل تكرار موجات الجفاف التي تضرب المغرب، الذي يُصنّف من بين أكثر الدول التي تعاني من ندرة المياه عالميًا. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن البلاد فقدت نحو 30% من مواردها المائية خلال العقود الستة الماضية، مع توقّعات بخسارة ما يصل إلى 80% منها خلال الـ25 عامًا المقبلة.
ويُفاقم هذا الواقع استخدام تقنيات ري غير مستدامة مثل المضخات العشوائية، والتخلي عن أنظمة الري التقليدية التي شكّلت إرثًا بيئيًا متجذرًا في هذه المناطق.
كما أن الحرائق أصبحت مشهدًا مألوفًا في واحات المغرب، بفعل ارتفاع الحرارة وجفاف البيئة المحيطة بالنخيل. وتشير البيانات الرسمية إلى احتراق أكثر من 170 ألف نخلة خلال الفترة من 2009 إلى 2023، عبر 2255 حريقًا تم تسجيلها رسميًا في تلك المناطق.
وتبقى حرائق طاطا عام 2018 الأكثر دمارًا، حيث فقد الإقليم آنذاك ما يزيد عن 35 ألف نخلة في كارثة بيئية غير مسبوقة.
في أوراق ميديا، نسلّط الضوء على تجارب الصمود البيئي في العالم العربي، ونُعلي صوت المجتمعات المتأثرة بتغير المناخ. تابعونا لمزيد من القصص من قلب الصحراء، حيث تناضل الحياة للبقاء.