علاقة الغاز والماء: معادلة خفية ترسم ملامح المستقبل البيئي

أوراق ميديا – في ظل التحولات العالمية نحو مصادر طاقة أكثر نظافة واستدامة، تبرز علاقة مترابطة وخفية بين الغاز الطبيعي والمياه، لا سيما في البلدان النامية التي تواجه تحديات مزدوجة: إدارة مواردها الطبيعية بكفاءة، وتحقيق تنمية متوازنة دون التضحية بالبيئة.

ورغم أن الحديث عن الغاز غالبًا ما يُحصر في سياق الطاقة والصادرات، فإن الواقع يكشف عن أبعاد مائية حساسة لهذا المورد، تدفع إلى إعادة النظر في الطريقة التي نتعامل بها مع كل قطرة ماء وكل متر مكعب من الغاز.

الغاز والماء: شراكة معقدة في الإنتاج والتأثير

من المعروف أن استخراج ومعالجة الغاز الطبيعي يتطلب كميات ضخمة من المياه، سواء لعمليات التبريد أو لفصل المكونات الكيميائية أو حتى في عمليات الحفر والتنظيف. وفي المقابل، تؤدي هذه العمليات في كثير من الأحيان إلى تلويث المياه الجوفية أو إنتاج مياه عادمة عالية الملوحة، يصعب إعادة استخدامها ما لم تُخضع لمعالجات معقدة.

في بعض الدول، تُستخدم المياه المحلاة أو المستخرجة من مصادر نادرة في دعم البنية التحتية للغاز، مما يثير تساؤلات حول أولويات الاستهلاك: هل نضحي بمياه الشرب لصالح قطاع الطاقة؟

أزمات متقاطعة: هل يفاقم الغاز أزمة المياه؟

في عدد من مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تعاني المجتمعات من شح مائي حاد وتوسع في مشاريع الغاز والبنى التحتية المرتبطة به. وهذا التداخل يفتح الباب أمام تحديات كبرى، خاصة إذا غابت الرقابة البيئية الصارمة والتخطيط طويل الأجل.

فعلى سبيل المثال، تشير دراسات بيئية إلى أن حرق الغاز المصاحب في حقول النفط يؤدي إلى تلوث هوائي يؤثر بدوره على الأمطار وجودة المياه السطحية، بينما قد تسبب شبكات الغاز الكبرى اقتطاع مساحات زراعية أو مائية مهمة لصالح أنابيب التوصيل والمحطات الصناعية.

الحلول الممكنة: نحو اقتصاد مائي–طاقي متكامل

رغم هذه التحديات، هناك فرصة حقيقية لبناء نموذج تنموي متوازن بين قطاعي الغاز والمياه. يتطلب هذا النموذج دمج استراتيجيات إدارة المياه داخل خطط الطاقة الوطنية، واستخدام تقنيات إعادة تدوير المياه الصناعية، وتحسين البُنى التحتية لضمان عدم تسرب الملوثات إلى التربة والمياه الجوفية.

كما تُعد الطاقة المتجددة شريكًا استراتيجيًا في خفض الأثر المائي لصناعة الغاز، من خلال دعم تشغيل المحطات بتكاليف بيئية أقل، ما يسمح بتقليل استهلاك المياه وخفض الانبعاثات المرتبطة بالإنتاج.

الشفافية والحوكمة أولًا

لا يمكن الحديث عن العلاقة بين الغاز والماء دون التطرق إلى ضعف الحوكمة والبيانات. فغياب الشفافية في كميات المياه المستهلكة، أو حجم التلوث الناتج، يضعف قدرة الجهات الرقابية والمجتمعات المحلية على تقييم الأثر البيئي والاجتماعي.

لذا، فإن دمج المجتمعات المدنية والخبراء البيئيين في رسم سياسات الغاز والمياه لم يعد ترفًا، بل ضرورة لضمان استدامة الموارد وحماية الأمن البيئي والغذائي للأجيال القادمة.

نحو مسار متوازن

تزداد الحاجة اليوم إلى خطاب إعلامي وتنموي يدرك أن الغاز والماء ليسا قطاعين منفصلين، بل وجهان لمعادلة واحدة تحدد مسار التنمية. وبينما تسعى الدول إلى تعظيم عائداتها من الغاز، عليها أن تحمي ما هو أغلى: المياه، أساس الحياة والتوازن البيئي.

Exit mobile version