أوراق_ تفاخر سعيد أبو ليمون بعشقه الجارف للحياة البرية، وتحوله من صيّاد إلى صديق للبيئة وللطيور، فصار يلاحقها بعدسته المتواضعة، وألقى بشباكه بعيدًا. يقول وهو يحتمي خلف شجرة لاقتناص صيد جديد بكاميراته السوداء: “كنت من هواة الصيد ومارسته في أوقات مدروسة من السنة، ولاحقت بعض أنواع الطيور بطرق بدائية وآمنة، وكنت أدرس المنطقة جيدًا كي أعرف ما الذي يمكنني صيده”. وفق مجلة افاق البيئية
أسف أبو ليمون على تحوّل الصيد إلى تجارة ومهنة، وتلاشي الأخلاق من الصيادين، الذين أصبح هاجسهم الوحيد جمع المال، دون
راعاة التوازن البيئي، وبعيدًا عن المحافظة عليه، مع أنه الأساس للهواية.
خجل
يضيف: “أصبحت أخجل من هذه الهواية، وأكره كل من يتغنى ويتفاخر بها، أو يطلق على نفسه صياداً، وهو بعيد عن أخلاق الصيادين، وأيقنت أنه من الضروري وضع حد لهذه المهازل، والتوجه إلى نشر وزيادة الوعي بين أفراد الناس، لنعيد لبيئتنا توازنها”.
يحمل سعيد الماجستير في الإدارة الهندسية من جامعة النجاح، ويعمل في جامعة القدس المفتوحة في طوباس بمركز الحاسوب، ويكرر دائمًا أن عشق الطيور طوّر موهبته في الرسم منذ أن كان في العاشرة.
يفيد: “أتابع الحياة البرية منذ الصغر، وأحب معرفة تفاصيلها عن قرب، وبدأت منذ نصف سنة بتوثيق الطيور، وأسعى لإثراء المعرفة فيها، والإمساك بتفاصيلها الدقيقة، وخاصة مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي”.
كان أبو ليمون في السابق يصطاد الطيور بطرق آمنه كما يقول، ويفتش عنها في أماكن نومها، ليتعرف إلى تفاصيلها عن قرب.
ويسرد: “أيقنت أنني كنت أزعج الطيور، وربما أتسبب لها بالأذى، ولا أنسى ما صنعتهُ لقبّرة متوجة أمسكتها عدة دقائق، وبعد إطلاقها لاحظت أنها لم تبتعد، ووجدتها تنزف دمًا من منقارها، ولم استطع النوم ليلتها من كثرة الإحساس بالذنب”.
توثيق
وجد أبو ليمون ضالته في الكاميرا، فصار يلتقط تفاصيل الحياة البرية دون إزعاجها، وأصبح ينقل مشاهداته في حب الطبيعة لغيره، ويسرُ بما يسمعه من ردود، صارت تقدم إجابات عن سبب تجواله الدائم في الجبال، والفائدة التي يحققها.
يستأنف: “كانت أول لقطاتي باستخدام الهاتف المحمول، يومها كنت اضطر لاصطياد الطيور لأصورها بيدي، ثم أوثق إطلاق سراحها، إلى أن بدأت باستعمال من محيط منزلي الواقع في طرف قرية صانور بمحافظة جنين”.
التقط سعيد في أولى جولات التصوير 13 نوعًا من الطيور، وكانت أول تجربة أدهشت متابعيه، ونالت استحسان مصورين محترفين، وعندها أيقن أن هذا هو الطريق الصحيح لتوثيق الحياة البرية، وبأ بتطوير مهاراته في الكاميرا، ويتمنى امتلاك معدات أفضل لالتقاط مشاهد أكثر براعة، تساهم في نقل شغف مراقبة الحياة البرية للآخرين، والتعريف بجمال الطبيعة، وزيادة الوعي البيئي.
يقول: “أفتقد وأحن إلى قطعان الغزلان، التي تحولت إلى شيء من الخيال، حيث كنا خلال طفولتنا نعاني كثرتها، لكن جشع تجار لحمها، وجهل من يشتريه أبادها، وساهم في هرب ما تبقى منها إلى مناطق آمنة”.
حسرة
يتحسر أبو ليمون على اختفاء مشاهد الأرانب البرية، التي أبادها الاستخدام المفرط للمبيدات الكيماوية، ولم يعد يشاهد للسبب نفسه أنواعًا من الطيور، مثلما افتقد بيوت النحل في الجبال.
يزيد: “في السابق كان الوصول إلى البرية قريب وواضح، ولكن اليوم ومع الزحف العمراني غير المنظم أصبحت البرية أبعد، وفي طريقها إلى التلاشي. ولم يعد التجول في الطبيعة دون مضايقة الناس متاحًا، وازدادت البيوت العشوائية، وأخشى أن نفقد ما تبقى من حياة برية إن واصلنا الزحف الإسمنتي”.
يمضي سعيد أغلب أوقات فراغه بين أحضان الطبيعة، ويفُضّل المناطق الجبلية والوعرة، ويستعين بشبكة الإنترنت وما فيها ومن مواقع ومصادر عالمية موثوقة لتصنيف ما يلتقطه.
يقول: “لم تعد الزراعة في مرج صانور كالسابق، فالكثير من المزروعات اختفت لأسباب عدة، وتقضي المياه التي تغرقه بعض السنوات على كثيرٍ من محاصيله، كما أن ضعف خصوبة التربة أدى لتراجع الزراعة في المرج، وقد أثر ذلك أيضًا على الطيور، التي كانت تزور المرج بأعداد كثيرة.
تحرير
وبحسب أبو ليمون، فبعد ملاحظته التناقص الشديد في أعداد طيور الحجل دشن محمية خاصة بها، صار يحتجز فيها عدة أزواج، يربيها وهي فراخ صغيرة سعيًا إلى ترويضها وتدجينها، لتبقى في محيط قريته.
وأضاف:” استمعت إلى تجارب سابقة وناجحة في تكثير الحجل وحمايته، وأسعى للمساهمة في إعادة التوازن لهذا الطائر الجميل، وآمل أن أتمكن من زيادة أعداده في الطبيعة، وفي السنتين الماضيتين أعدت الحجل إلى الطبيعة ثلاث مرات”.
ويُصنّف أبو ليمون نفسه بمحبٍ للطبيعة، ويؤكد أنه ليس بمصورٍ أو هاوٍ بالتصوير، فعندما بدأ بالتعامل مع الكاميرا لم يكن يعرف أبسط أساسياتها، وأصبح يصور لتوثيق مشاهداته اليومية، حتى ينقلها لغيره.
يعشق سعيد البرية بتفاصيلها، فمثلا عندما يرى ثعلبًا يزداد بهجة، ويحس بالألفة فغالبًا لا يهرب منه، حيث التقط صورة له من مسافة لا تزيد عن ثلاثة أمتار، يشاركه هذه الهواية الصديق “فوزي غنام”، الذي أصبح شريكه الدائم في الجولات.
أمل
وتابع: “أحب محيطي الذي يعيدني إلى الطفولة، ووجدت التشجيع لمحاولاتي الدائمة في حماية الطبيعة، التي تنتظر منا الدفاع عنها، ولا يقتصر الدور على المنادين أو المختصين بحمايتها، فلو امتنع الناس عن شراء لحم الغزال لما كان هناك تجارة فيه، ولو مَنعوا الاعتداء على أراضيهم لما كان هناك مكبات عشوائية، والأهم سن قوانين وإجراءات صارمة تنظم هواية الصيد وتضبط الاعتداءات البيئية”.
ينهي أبو ليمون: “لا زلت في البداية، ومشواري طويل، واستطعت توثيق عدد كبير من الطيور بعضها نادر أو يمر سريعًا من بلادنا كـ “سمنة الصخور الزرقاء”، و “الأبلق الفنشي”. متأملاً في المستقبل توثيق “السبد الأوروبي”، و “البلشون الأرجواني” ( المالك الحزين)، و “البومة النسارية”.