أوراق ميديا – أمل غوانمة
“قرية مستدامة” تراعي المعايير العالمية لمفهوم المدن المستدامة هذا ما تطمح له منظمة أوراق للتنمية البيئية، وتقول المديرة التنفيذية الدكتورة زينة حمدان أن المنظمة تعمل مع الجهات المعنية لتحقيق طموحها في ايجاد نموذج مصغر في الاردن لمدينة مستدامة.
فيصل أبو سندس خبير بيئي ومدير مركز الشرق الأوسط لتمكين المبادرات يشير بأن “المدن المستدامة” تعبر بمفهومها عن مناطق محدده يتم تأهيلها لتوفر كافة الاحتياجات للسكان فيها دون المساس بالموارد الطبيعية والبيئية المخصصة للأجيال اللاحقة.
وبين أبو سندس أن هذه المدن لا تعني الحجر والأرض بل هي السكان بعينهن إذ توفر لهم حق ايجاد الظروف اللازمة لحياة صحية وأكثر أمان واستقرار الأمر الذي يتوجب فيه على الحقوقيين والمطالبين بالعدالة الاهتمام الحقيقي بتطبيق هذه المبادرات الاصلاحية على أرض الواقع.
وأشار أبو سندس أن المدينة المستدامة تبرز في عدد من العناصر، أهمها قطاع النقل العام الآمن الذي يحفظ حق المواطنين بالتنقل وحقهم في بيئة نظيفة تخلوا من الانبعاثات الكربونية الشديدة التي تفاقم مشكلة التغير المناخي، ثم أنها مدينة تستطيع توفير الغذاء لسكانها دون الحاجة للاعتماد على الارياف بالشكل الكامل إذ تتمتع بتوافر اللازم لزراعة مستدامه خالية من الملوثات المشهودة حاليا في جميع المناطق الزراعية في الدول وأهمها تلوث الهواء، ونربط هنا الأمرين بتوفير التكلفة لغايات نقل الطعام من خارج المدينة إليها وتقلل كذلك من الانبعاثات الكربونية.
وتطرق أبو سندس للحديث عن أكثر القطاعات تأثرا وهو النقل باعتباره قطاع مقلق بعد ارتفاع أعداد السيارات الخاصة في المدن رغم وجود الحل الذي يوفر على المواطنين وعلى الدولة ميزانيات مالية كبيرة من تكاليف شراء السيارة الواحدة وصولا الى تعبيد وفتح طرق جديدة بمبالغ مالية كبيرة جدا، وهذا الأمر الذي لا يمكن مشاهدته في المدن المستدامه التي تعتمد على النقل العام المشترك والصديق للبيئة المعتمد على الطاقة المتجددة.
وأضاف أبو سندس أن العنصر الثالث الذي تبرز فيه المدن المستدامة هو إدارة النفايات، إذ يتبع سكان هذه المدن نظام التقليل من كمية النفايات اليومية وفرزها بطرق تتيح إعادة تدوريها واستثمارها فيما بعد.
وفي التفاصيل أكدت شذى الطراونة مديرة التخطيط الحضري والهندسة المعمارية في شركة تطوير العقبة المهندسة أن معايير المدن المستدامة بالشكل الرئيسي تركز على رفع جودة الحياة لسكانها مع الحفاظ على استدامتها من خلال التقليل من المخاطر التي تولدها التصرفات اليومية السلبية، بالاضافة لمخاطر ازدياد عدد السكان.
ونوهت الطراونة لضرورة أن تكون هذه المدن مرنه تمكننا مستقبلا من التطوير بيسر وسهوله، وأيضا مراعاة الفروق في المجتمع واحتياجات كل فئة فيه، وأن تكون مدن منتجة اقتصاديا يمكنها الاعتماد على مواردها المتاحة لتغطية نسبة كبيرة من حاجتها مقارنة بحجم الاستهلاك للموارد.
وشبهت الطراونة المدن المستدامة بالكائن الحي الذي يتطلب الرعاية والاهتمام والمراعاة لجميع احتياجاته ليعود علينا بالفائدة والنتيجة الايجابية المتوقعة منه، وتطرقت أيضا لموضوع النقل وفتح الطرق والمواقف التي لا تفاقم التلوث البيئي فقط بل كما أنها تساهم في رفع درجات الحرارة باعتبار الاسمنت عازل للبقع الخضراء في المناطق وهي التي تفيد في اعتدال الحرارة فينتج عن ذلك تضاخم مشكلة الاحترار العالمي، وهي المشكلة التي تبهت لها المدن المستدامة واتبعت فيها نظام يخدم النقل والطبيعة بذات الوقت.
ومن ناحية أخرى، أوضحت الطراونة أن هذه المدن تساهم في التصدي للتغير المناخي من خلال ما يعرف “بالحوكمة البيئية” التي تتبع نظام تطوير سليم وتخطيط آمن وإدارة تتبنى الفكر المستدام حيث تضمن هذه الاجراءات أن لا تكون المدينة مسببه للتغير المناخي مما يقلل من خطورته وربما معالجته عند تعميم هذه الفكرة في جميع أنحاء العالم.
وبتفاصيل أكثر بين أبو سندس أن الاستدامة بمفهومها تتطلب توافر ثلاثة عناصر مهمة تتمثل بالعنصر الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، وهي عناصر أساسيه يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار لأجل حياة آمنة ومستدامه، وفي العنصرالبيئي يتم التقييم على الأسس التشريعية والسياسية التي تنفذها الجهات الرسمية المعنية في جديتها من عدمه لاستدامه المدن، ومع الأسف في الأردن الموارد البيئية منذ مدة زمنية ليست ببعيدة بدأت بالنفاذ بالتالي يغيب هذا العنصر عن المدن الأردنية ولا تسمى بالمستدامة حتى الآن رغم وجود مناطق أصغر من المدن تعتبر أنموذج ناجح للحياة المستدامة فيها.
وأشاد أبو سندس بفكرة الاستدامة التي تتيح للمجتمعات الحصول على حياة ذات جودة مرتفعة وتعتمد في روتينها اليومي على الطاقة التي لا يمكن الاستغناء عنها في هذا العصر وفي المستقبل لكن من مصادر طبيعية متجددة.
وفي شأن الاعباء المالية، قال الخبير البيئي المهندس فراس الرحاحلة أن الاستثمار في المجال البيئي يحقق لنا مستقبل أكثر أمن وسلامة ويتم ذلك من خلال استحداث مشاريع تسهم في التقليل من خطر التغيرات المناخية والكوارث الناجمة عنها كمشاريع الحصاد المائي والسدود.
وعن أعباء الميزانيات الكبرى لتنفيذ هذه المشاريع حمل الرحاحلة المسؤولية التمويلية الكاملة على المدن الصناعية المسبب الأول لقضية التغير المناخي والتي تمتلك موارد تتيح لها التكيف الى حد ما مع الكوارث البيئية تاركه خلفها الدول النامية التي باتت تتعرض لكوارث تهدد أمنها القومي، ويحذر هنا من كوارث بيئية قريبة الأجل تتطلب العمل السريع لإيجاد الحلول الحقيقة قبل فوات الأوان.
وقال المستشار في الأبنية الخضراء والطاقة المهندس سامر الزوايدة أن الطاقة في العالم يتم استغلالها بثلاثة طرق وهي الأبنية والصناعة والنقل، والأبنية مسؤولة عن 40% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تغير المناخ بشكل مضاعف وتنبه فيها العلماء لضرورة تعميم دراسات تطور من أنظمة البناء لتكون صديقة للبيئة ومستدامه.
ومن ناحيه تشريعية أشار الزوايدة الى “دليل الأبنية الخضراء الأردني” الذي أصدر عام 2015 من قبل مجلس الوزراء تحت إدارة وزارة الأشغال العامة والإسكان، ولترغيب المجتمع أكثر أطلقت الوزارة نظام الحوافر للأبنية الخضراء المتاح لجميع المواطنين الأردنيين، وأكد أن التشريعات والقوانين اللازمة لبناء صديق للبيئية متوافره إلا أن التطبيق بها ضعيف جدا الأمر الذي دفع الوزارة لاستحداث وحدة استدامة تعمل على مراقبة البنى الجديدة والمشاريع التي يتم تنفيذها دون اتباع القوانين والأنظمة الرسمية الأمر الذي يوقعها في مشاكل المخالفات المتعددة.
وتبقى الجهود العالمية خجولة لتطوير المدن والتحول لحياة أكثر أمن وسلامة تنفذ على أرض الواقع حقوق السكان والاجيال، الأمر الذي يتطلب استحداث تشريعات وسياسات حقيقة الأثر لتضمن الدول وخاصة النامية التكيف مع التغير المناخي بأقل الخسائر وبنى تحتيه على استعداد للتعرض للكوارث البيئية.