نحو مركز وطني لتكنولوجيا المناخ
بعد زيارة الرئيس هل تبدأ العقبة رحلتها نحو سيادة تكنولوجيا المناخ؟
كتبت : د.زينة حمدان
في زيارته للمشروع، وقف رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان على عتبات أحد أهم المشاريع البيئية الطموحة في الأردن والمنطقة؛ المركز الدولي لمحمية العقبة البحرية، الذي يجسّد توجيهات ملكية سامية لصون كنز بيئي عالمي، يتمثل في الشعاب المرجانية الفريدة لخليج العقبة.
لم تكن الزيارة بروتوكولية بقدر ما هي إقرار عملي بالأولوية الوطنية التي باتت تحظى بها البيئة البحرية ضمن مسار التنمية المستدامة، وخصوصاً في ظل التحديات المناخية المتزايدة.
لقد استطاعت العقبة، رغم محدودية شاطئها البحري، أن تتحوّل إلى رائدة إقليمية في حماية البيئة البحرية. فالمشروع ليس فقط محمية بحرية تقليدية، بل نموذجاً متكاملاً يتضمن مركزاً علمياً ومتحفاً بحرياً تفاعلياً، ليضع الأردن على خارطة الدول التي تطبق مفهوم “الاقتصاد الأزرق” فعلياً. ويُضاف إلى ذلك أن شعاب خليج العقبة تمتلك خصائص نادرة عالمياً تجعلها تقاوم ابيضاض المرجان الناتج عن تغيّر المناخ، وهو ما أكّدته أبحاث علمية مرموقة، مما يمنح الأردن مسؤولية إضافية لحماية هذا الإرث الطبيعي الفريد، وفرصة ريادية للعب دور عالمي في هذا المجال.
لكن في ظل هذه التطورات، تبرز ضرورة ملحة لا يمكن تجاوزها أن ننتقل من حماية البيئة إلى ابتكار حلول مناخية. ومن هنا، فإن أهمية المركز العلمي في المشروع لا تقف عند حدود البحث، بل يجب أن يرتبط بمنظومة أوسع من الابتكار والتكنولوجيا، ليكون نواة لتأسيس مركز وطني لتكنولوجيا المناخ. فالمستقبل في هذا المجال لا يُبنى فقط على المحميات، بل على البيانات، والخوارزميات، والتطبيقات، والشراكات التقنية.
لقد كان جلالة الملك عبد الله الثاني سبّاقاً في الدعوة إلى الاستثمار في تكنولوجيا المناخ، لا سيما في كلمته خلال مؤتمر المناخ COP27 في شرم الشيخ حين قال: “العالم يحتاج إلى شراكات تُركّز على الحلول المبتكرة، وعلى الدول أن تستثمر في البحث العلمي والتكنولوجيا لخدمة المناخ.” وفي COP28 أكد الملك أن “التحول الأخضر لا يمكن أن يتم دون ربط البيئة بالاقتصاد الرقمي والمعرفة.”
في ضوء هذه الرؤية الملكية، لا بد أن تكون العقبة، بما تحمله من خصوصية بيئية وموقع استراتيجي، مركزاً إقليمياً لتكنولوجيا المناخ. فبجوار المحمية البحرية يمكن تأسيس حاضنات أعمال متخصصة في تطوير تطبيقات رقمية تراقب صحة الشعاب المرجانية، وتقنيات ذكاء اصطناعي لتحليل البيانات البيئية، ومنصات رقمية لتوعية الغواصين والسياح وتدريب المجتمعات المحلية. كما يمكن جذب استثمارات نوعية من شركات التكنولوجيا الخضراء، وربط المركز العلمي بشبكات بحث عالمية.
زيارة رئيس الوزراء يجب أن تكون نقطة انطلاق لربط هذا المشروع الرائد بأجندة وطنية استراتيجية تُعلي من شأن التحول نحو اقتصاد مناخي رقمي. وهذا التحول لا يقل أهمية عن حماية المرجان، بل هو الضامن لاستدامته.
إن مشروع محمية العقبة البحرية، حين يُربط بالتكنولوجيا، لن يكون فقط نموذجاً للحفاظ على الطبيعة، بل منصةً للابتكار، والتمكين، والريادة الأردنية في زمن المناخ الرقمي.