دعت محكمة العدل الدولية في لاهاي بلدان العالم إلى مواجهة ما سمته “التهديد المُلِحّ والوجودي” لتغير المناخ من خلال التعاون للحد من الانبعاثات، وفتح قرار المحكمة الاستشاري إمكانية مقاضاة الدول لبعضها بسبب المسؤولية عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتغير المناخ.
وأشارت المحكمة -خلال مداولات جرت أمس الأربعاء- إلى أن عدم وفاء الدول بالتزاماتها المناخية قد يدفع، في حالات محددة، دولا أخرى متأثرة بتغير المناخ إلى رفع دعاوى قضائية.
وقال القاضي يوجي إيواساوا -أثناء تلاوته الرأي الاستشاري للمحكمة- إن الدول مُلزمة بالامتثال “للالتزامات الصارمة” المفروضة عليها بموجب معاهدات المناخ، وإن عدم القيام بذلك يُعدّ انتهاكا للقانون الدولي.
وأكد إيواساوا أنه “يجب على الدول التعاون لتحقيق أهداف ملموسة لخفض الانبعاثات” مضيفا أن الخطط الوطنية للمناخ يجب أن تكون طموحة للغاية، وأن تلتزم جماعيا بالمعايير اللازمة لتحقيق أهداف اتفاقية باريس لعام 2015، والتي تشمل السعي للحفاظ على الاحتباس الحراري دون 1.5 درجة مئوية.
وجاء رأي المحكمة عقب أسبوعين من جلسات الاستماع بمحكمة العدل الدولية في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عندما طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من القضاة النظر في سؤالين: ما التزامات الدول بموجب القانون الدولي بحماية المناخ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري؟ وما العواقب القانونية المترتبة على الدول التي تُلحق الضرر بالنظام المناخي؟
وأثناء جلسات الاستماع في ديسمبر/كانون الأول، استمعت المحكمة إلى شهادات العشرات من سكان جزر المحيط الهادي ممن اضطروا إلى الهجرة نتيجة ارتفاع منسوب سطح البحر بسبب التغيّر المناخية.
ومن جهتها، رحبت المنظمات البيئية برأي محكمة العدل الدولية، وقال ناشطون وخبراء قانونيون إنه انتصار للدول الجزرية الصغيرة والدول المنخفضة التي طلبت من المحكمة توضيح مسؤوليات الدول الكبرى.
وقبيل طرحه للقرار الاستشاري، شرح القاضي إيواساوا سبب المشكلة وضرورة الاستجابة الجماعية، قائلا “إن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ناتجة بشكل لا لبس فيه عن أنشطة بشرية غير محدودة إقليمياً” مؤكدا القانون الدولي يضمن “حق الإنسان في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة ضروري للتمتع بحقوق الإنسان الأخرى”.
وتاريخيا، تعد الدول الصناعية الغنية وفق البيانات مسؤولة عن معظم الانبعاثات منذ الثورة الصناعية، وقال إيواساوا إن على هذه الدول أن تأخذ زمام المبادرة في معالجة المشكلة.
تحديد المسؤوليات والتعويضات
ومع أن مداولات قضاة محكمة العدل الدولية الـ15 في لاهاي تعد غير ملزمة، إلا أنها تحمل ثقلا قانونيا وسياسيا، ولن تتمكن قضايا المناخ المستقبلية من تجاهلها، كما يقول محللون.
وقال دانيلو غاريدو المستشار القانوني لمنظمة السلام الأخضر “هذه بداية عهد جديد من المساءلة المناخية على المستوى العالمي”. ومن جهته قال سيباستيان دويك، المحامي الأول بمركز القانون البيئي الدولي “إذا كانت الدول مُلزمة قانونا بمنع الضرر المناخي، فإن لضحايا هذا الضرر الحق في التعويض”.
وأبلغت الدول الغنية بالشمال العالمي القضاة أن معاهدات المناخ القائمة، بما في ذلك اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015، والتي هي في معظمها غير مُلزمة، يجب أن تكون أساساً لتحديد مسؤولياتها.
ومن جهتها، طالبت الدول النامية والدول الجزرية الصغيرة الأكثر عرضة لخطر ارتفاع منسوب مياه البحار باتخاذ تدابير أقوى، ملزمة قانونا في بعض الحالات، للحد من الانبعاثات، وبتقديم أكبر الدول -المُصدرة لغازات الاحتباس الحراري- مساعدات وتعويضات مالية.
وقد سعت هذه الدول إلى توضيح من المحكمة، بعد فشل اتفاقية باريس للمناخ حتى الآن في الحد من نمو انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية.
وأواخر العام الماضي، وفي “تقرير فجوة الانبعاثات” الذي يُقيّم وعود الدول بمعالجة تغير المناخ مقارنةً بما هو مطلوب، قالت الأمم المتحدة إن سياسات المناخ الحالية ستؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض بأكثر من 3 درجات مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية بحلول عام 2100.
وحسب البيانات، ساهمت الولايات المتحدة تاريخيا (منذ 1750) بأكبر قدر من التلوث جراء الانبعاثات، حيث بلغت مساهمتها نحو 24%، تليها الصين 15% وروسيا 6.7% ثم ألمانيا 5.2% وبريطانيا 4.4%، فاليابان 3.8%.
وفي الوقت الذي يسعى فيه النشطاء إلى محاسبة الشركات والحكومات على دورها في التغير المناخي، تكثفت الدعاوى القضائية المتعلقة بالمناخ، إذ رُفعت ما يقرب من 3 آلاف قضية في نحو 60 دولة، وفقا لأرقام يونيو/حزيران الصادرة عن معهد غرانثام لأبحاث تغير المناخ والبيئة في لندن.
المصدر: الجزيرة + وكالات