اوراق- د. ابراهيم سيف
هل يمكن أن يتحسن الأداء الاقتصادي وأن تتم ترجمة الأهداف المرجوة من الخطط الاقتصادية دون إصلاح أداء موظفي القطاع العام من خلال نظام حوافز وعقوبات يكافئ المجد ويوفر له الحماية ويعاقب المقصر وينزع الصلاحيات منه بما يبث روح الكفاءة التي يمكن ان تحفز الموظفين على العطاء؟
من ناحية مفاهيمية بحتة، فإن مصطلح “البيروقراطية” لا يعني بالضرورة سلوكا سلبيا بل ان الترجمة الحرفية لهذا المصطلح المنحدر من كلمتين اغريقيتين يعني تطبيق القوانين وفق محددات هدفها اتباع أنظمة وتعليمات واضحة من شأنها عدم التمييز بين الأفراد عند التطبيق وفقا لسلم إداري متفق عليه.
من هنا فإن الإختلال ليس بالمفهوم بقدر تعلقه بآليات التطبيق التي تمنح هامشا من الاجتهاد لدى التنفيذ، أو من خلال عدم وضوح الهيكل الإداري بحيث تتداخل الصلاحيات سواء داخل المؤسسة الواحدة أو ما بين المؤسسات والوزارات بحيث تضيع المسؤوليات والواجبات، وتصبح القدرة على اتخاذ القرار اصعب.
ويدفع ثمن عدم الوضوح والاختلال صاحب العلاقة، سواء كان مستثمرا أو مراجعا عاديا، وتبدأ الشكوى من “البيروقراطية” المقيتة التي لا تمكن من تنفيذ وإنجاز المعاملات، وعندما يفقد صاحب العلاقة المرجعية الواضحة، وعندما يقابل صاحب الحاجة بلا مبالاة من قبل من يفترض ان يقوموا باتخاذ القرارات وإنجاز المعاملات وخدمة المراجعين كما هو مفترض، من هنا تبدأ عملية الذم بالبيروقراطية كسلوك وليس كمفهوم، وتتعمق فجوة الثقة بين صاحب العلاقة والحكومة التي ترعى ذلك السلوك، وتصبح الأمور اكثر تعقيدا عندما يكون هناك فجوة ما بين المسؤول الأول في بعض المؤسسات والموظفين الذين يفترض ان يطبقوا التعليمات وأن ينجزوا المعاملات.
هذا السلوك من وجهة نظر صاحب العلاقة الساعي لإنجاز معاملته، الذي هو في الغالب مواطن او مستثمر او زائر ناجم عن طبيعة القوانين السائدة أو سلوك الموظفين، والنتيجة في كلتا الحالتين واحدة بحيث ينجم عنها كلف إضافية او تأخيرات غير مبررة لا تأخذ بعين الاعتبار الحاجة الملحة للإنجاز. إذ إن المتسبب بالإعاقة، الموظف البيروقراطي سيواصل عمله كالمعتاد في اليوم التالي، ونادرا ما يطاله عقوبة او ردع، وفي الغالب هناك حالة استثنائية من التضامن ما بين افراد الجسم البيروقراطي بحيث انهم يشكلون كتلة وازنة لحماية مصالحهم وانفسهم من أي اختراقات من المتعاملين.
في الأردن لم يخل كتاب تكليف للحكومة أو بيان لرئيس الوزراء من إشارة صريحة الى ضرورة اصلاح الخلل في المنظومة الإدارية وتفعيل دور المؤسسات ومجالس الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص، ولكن مؤشرات الحكومة الفعالة والحوكمة لم تشهد تقدما في السنوات الأخيرة، بل على العكس شهدت تلك المؤشرات تراجعا في ترتيب الأردن في العديد من المؤشرات المرتبطة بكفاءة الجهاز الحكومي، والسبب ان الحديث عن تحسين السلوك البيروقراطي ظل يحاول تطبيق نفس الوصفة التي لم تسهم بتحسين هذا الأداء، وكافة المحاولات التي لم تتبع نظاما صارما للتحفيز والردع باءت بالفشل.
في الأسابيع الأخيرة عادت نغمة الحديث عن اصلاح القطاع العام ودمج المؤسسات المستقلة، وهذا ليس بجديد، فهل ستختلف هذه المرة عن سابقاتها بما يساهم بتحسين الأداء، بحيث نغير من المفهوم السلبي ونصبح نتحدث بإيجابية عن تطبيق القوانين وإنفاذها وصولا الى ما يوصف بالسلوك البيروقراطي الحميد الذي ميز الدول الناجحة التي حققت تحولات اقتصادية عميقة خلال فترات زمنية محدودة مثل كوريا الجنوبية وماليزيا وغيرها من الدول.
وإجابة على استهلال هذا الموضوع فإن الإجابة ببساطة تتمثل بضرورة إصلاحات عميقة ومعقدة أحيانا لتغيير السلوك السلبي الذي سيؤثر حتما على أداء الاقتصاد، فهذا عامل مهم من ضمن عدة عوامل يمكننا تطويره داخليا.