أوراق ميديا _ أنور عقل ضو
في لبنان ثمة من يظنّ أن إعداد خرائط بيانية واعتماد محطات لقياس درجات الحرارة ونسب الرطوبة واتجاه الرياح نوعٌ من الترف، هذا على الأقل ما يمكن استنتاجه مع ارتفاع مؤشر الحرائق وسط توقعات بإمكانية توسعها لتطاول مناطق عدة، فيما النُّذُر الأولى بدأت فجر أمس في البترون وجبيل وعلى مقربة من محمية بنتاعل، وأتت النيران على مساحة تقدَّر بـ 70 ألف متر من الأراضي، وطاولت أشجارًا مثمرة وسندياناً وعدداً من الخيم البلاستيكية، وامتدّت النيران إلى أحد المنازل وأحرقت سيارتين.
ولأن الحرائق كانت متوقعة، تبين أن الجهات المعنية كانت في “جهوزية” تامّة، إذ تبيّن أن ثمّة أربع سيارات إطفاء معطّلة منذ شهرين في مركز الدفاع المدني في قضاء جبيل، وهذا حال معظم المراكز في المناطق، ما يؤكّد التراخي واللامبالاة والجهوزية شبه المعدومة من قبل وزارة الداخلية، فتعطّل سيارة إطفاء واحدة يعني تمدّد وتوسّع الحرائق، فكم بالحري أربع سيارات وأكثر؟
حرائق “الويك إند”
ومع ارتفاع مؤشر الحرائق وسط معطيات علمية حذرت وتحذر من أيام صعبة قد تمتد حتى أوائل الشهر المقبل، نشبت في عطلة “الويك إند” عشرات الحرائق من كفرحبو شمالًا إلى عيتا الشعب على تخوم فلسطين المحتلة جنوبًا، ولم توفّر مدينة صيدا حيث “قطعَت” ألسنةُ اللهب طريق بيروت – الجنوب عند البولفار البحري، فيما نشبت حرائق كارثية في المجيدل (جزين) امتدت نحو بلدة طنبوريت (صيدا)، ما اضطر المواطنين لإطلاق نداءات استغاثة، فيما نشبت حرائق عدة بعد الظهر في بلدة صبوبا (الهرمل) وفي القليعة (مرجعيون).
تجدر الإشارة إلى أن نداءات عدة أطلقتها “مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية” LARI حذّرت فيها من تجدّد الحرائق مع موجة الحر، وتوقعت أن تستمرّ لخمسة أيام مقبلة، تزامناً مع تحذيرات مماثلة لـ “برنامج الأراضي والموارد الطبيعية في معهد الدراسات البيئية في جامعة البلمند”، لكن يبدو أن “الجهوزية” معطلة بدليل ما شهدته اليوم بلدة كفرحبو في قضاء الضنية، حيث اضطر شباب البلدة لإخماد النيران قبل ساعتين من وصول سيارتي إطفاء تم توفير المياه لهما من قبل المواطنين.
مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية
وفي هذا السياق، قال رئيس مجلس إدارة مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية LARI لـ “أحوال”: “قبل أن تبتكر أي مؤسسة أو جامعة مؤشرًا للحرائق، ومنذ عشر سنوات، لدينا مؤشر حرائق اعتمادًا على بيانات من 80 محطة أرصاد تشمل معدلات الرطوبة واتجاه الرياح والحرارة، كما أن نشرة الطقس على تطبيق LARI-Leb تشمل كافة المعلومات عن الطقس”.
وأكد أن “المؤشر سيظل مرتفعاً حتى أواخر الشهر الجاري، يتراوح بين متوسط ومرتفع”، لافتاً إلى أن “المؤشر سيضعف مع بداية تشرين الثاني مع إمكانية هطول الأمطار التي ستصبح أكثر غزارة بعد النصف الأول من الشهر”. ولفت افرام إلى أن “مؤشر الحرائق يرتفع عندما تتخطى الحرارة الـ 30 درجة مترافقة مع نسبة رطوبة منخفضة (حوالي 30 بالمئة)، فضلًا عن اتجاه الرياح خصوصًا إن كانت شرقية جافة”، وتوقّع أن “تتحوّل غربية رطبة مع ارتفاع نسبة الرطوبة وانخفاض درجة الحرارة، ما يرجح تساقط أمطار مع بداية الشهر المقبل”.
وأطلق افرام صرختين، أولها بما يخص الحرائق، فقال: “إنّها تدمّر البيئة وتقضي على الغطاء الأخضر والكائنات الحية وعلى أصناف يتميز بها لبنان، كما أن معظم هذه الحرائق مفتعل سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، خلال تقشيش الأراضي الزراعية، وهناك من يتعمد إشعال النيران، كون قطع الأشجار ممنوع لتنظيف الأراضي تمهيدا لاستثمارها في مجال البناء، وآخرون يشعلونها للحصول على الحطب، ولا ننسى خطر النفايات التي تنفث غاز الميثان، ومع الزجاج تصبح الأحراج قنابل موقوتة”، وتوقف عند “الحرائق التي تنشب فجرًا حيث تكون الحرارة متدنية ما يرجح احتمال إشعالها عمدا، وهو أمر مريب للغاية”.
وأضاف افرام: “أما الصرخة الثانية فتتعلق بالتلوث، وخصوصًا المياه، فضلًا عن نقص كمياتها بصورة تصاعدية، عدا عن أن نوعيتها أصبحت متدنية لجهة عدم امكانية استعمالها للري أو للمواشي أو للشرب”، مطالباً “بضرورة إعلان حالة طوارئ بيئية مائية وفي كل لبنان، لتفادي المزيد من الخسائر في الغابات والأراضي الخاصة والمشاعات، فضلًا عن تلوّث المسطحات المائية”.