“من أنامل الجدّات إلى نقرات الشباب: الجوهرة تنسج حكايا البداوة بالصوف والتقنية”
اوراق ميديا ـ الشوبك ـ زينة حمدان ـ على أطراف قرية الجربا في محافظة معان، يتدفق الزمن في خطين متوازيين: الماضي العريق من جهة، والحاضر المبتكر من جهة أخرى. في قاعة بسيطة تابعة لجمعية “الجوهرة” النسائية، تجلس السيدة قسمة، المعروفة بـ”أم حسن”، وقد تجاوزت السبعين من العمر، أمام نول يدوي قديم، تخيط بخيوط الصوف إرثاً ثقافياً متجذراً. تعلمت هذه الحرفة عن والدتها وجدتها، وها هي اليوم تنقلها لسيدات من المجتمع المحلي، ليحكين “روح البداوة” بمنتجات صوفية (سجاد، مكرميات) تحمل في طياتها حكايات الصحراء وثقافة البدو.
مشروع “صوف وحكاية” ليس هذا مجرد مشروع حرفيّ، بل مبادرة بيئية وتنموية تسهم في التخفيف من آثار التغيّر المناخي. فجمعية “الجوهرة الخيرية” تعيد تدوير صوف الأغنام الذي كان يُرمى عشوائياً، مسبباً مشكلات صحية وبيئية جراء عملية “الجزّ” وعدم استغلال هذه المادة، ولتتحول هذه المخلفات إلى مواد أولية لمنتجات تراثية. هكذا تساهم الجمعية في تحقيق استراتيجية وطنية أوسع للتخفيف من آثار تغيّر المناخ، عبر إدارة متكاملة للنفايات الصلبة، والاستفادة من الموارد المتاحة بطرق مبتكرة ومفيدة.
توضح جميلة مرضي الجازي، رئيسة الجمعية، في تصريح لأوراق ميديا، أن هذا المشروع يأتي ضمن مبادرة رائدة ينفذها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) في الأردن، بتمويل من الحكومة الكندية، ويستهدف مناطق الجنوب الهشة، ومنها منطقة الشوبك في معان. يحقق المشروع قيمة مضافة، إذ وفر 32 فرصة عمل جزئية لسيدات وشابات من المجتمع المحلي، ما يسهم في تخفيف البطالة وتمكين النساء، باعتبارهن فئة أكثر هشاشة، وإشراكهن في اقتصاد أخضر يستند إلى الحرف التقليدية والاستثمار في الموارد المحلية.
في هذه المساحة التي تمتد بين أصالة الماضي وأدوات الحاضر، تأتي نوف الجازي وقرينتها يسرى صفوق الجازي التي تدرس العلوم الجمركية والضريبية، لتضفيا بُعداً جديداً: التسويق الرقمي والتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي. تقول نوف: “نريد للعالم أن يدرك أن هذه المنتجات الصوفية ليست مجرد سجاد أو مكرميات، بل سجلاً لحياة البدو وتاريخهم.” فيما تضيف يسرى: “نستخدم التكنولوجيا والمنصات الإلكترونية لنشر هذا التراث على نطاق أوسع، نشارك في معارض وننسج علاقات وشراكات، لنربط السوق المحلي بسياح من مختلف الدول، ما يخلق فرصاً للمبيعات ودعماً مالياً مستداماً للمشروع.”
وبينما تثبّت قسمة غرزتها الأخيرة في سجادة جديدة، يفتح المشروع نافذة على عالم أوسع لمشروع اخر مكمل “روح البداوة” والمدعوم من صندوق الملك عبد الله للتنمية حيث يقتني الزوار هذه المنتجات واستكشاف المواقع الأثرية البدوية، من قصور صحراوية، إلى آبار وعيون المياه التي كانت شريان الحياة، وصولاً إلى النقوش الصخرية التي تروي قصص الماضي السحيق. كل ذلك ينسجم مع رؤية وطنية تعزز الاقتصاد الأخضر، وتنمي المناطق الأكثر ضعفاً، وتربط التخفيف من آثار التغيّر المناخي باستغلال الموارد المحلية وتجديدها، مع الحفاظ على قيم وثقافة المجتمعات المحلية.
ملاحظة:
تم إعداد هذا التقرير بمناسبة يوم الأمم المتحدة العالمي، حيث شاركت “أوراق ميديا” في جولة نظمها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الأردن إلى منطقة الشوبك في محافظة معان. تأتي هذه الزيارة ضمن مشروع يهدف إلى التخفيف من آثار تغيّر المناخ من خلال إدارة النفايات الصلبة في جنوب الأردن، والممول من الحكومة الكندية. هذه القصة استمرار للجزء الثاني من الزيارة.