اوراق ميدياـ زينة حمدان ـ الشوبك ـ في مركز فرزوإعادة التدوير بالشوبك، تبدأ القصص التي تروي كيف يمكن للنفايات أن تتحول إلى فرص جديدة. عرين الحويطات، الفتاة البالغة من العمر 19 عامًا، التي نشأت في إحدى القرى القريبة، كانت تبحث دائمًا عن فرصة لتغيير واقعها، لتجد ضالتها في مشروع “التخفيف من آثار تغير المناخ من خلال إدارة النفايات الصلبة في جنوب الأردن”، الذي ينفذه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الأردن والممول من الحكومة الكندية.
تقول عرين: “كنت دائمًا أتمنى أن أتمكن من استكمال دراستي الجامعية، ولكن الظروف كانت تقف في طريقي”. حصلت عرين على تدريب عملي في فرز النفايات والعمل على آلات إعادة التدوير. “اليوم، هذا المشروع لم يعطِني فقط فرصة لتحسين بيئتي، بل وفر لي مصدر دخل يساعدني على متابعة دراستي”، تضيف عرين، التي أصبحت اليوم جزءًا من جهود إعادة التدوير في المنطقة.
فرص جديدة للشباب والنساء
ما يميز هذا المشروع هو كيف استطاع أن يفتح أبوابًا جديدة للشباب والشابات في مناطق كانت تفتقر إلى فرص العمل المستدامة. نوف الجازي، 28 عامًا، من بلدية الأشعري، خريجة سياحة، لكن البطالة كانت تقف حائلًا بينها وبين طموحاتها. مع انضمامها إلى المشروع، حصلت على تدريب شامل في مهارات الاتصال، هندسة الآلات لإعادة الفرز، وإدارة المشاريع الصغيرة. “لم أكن أتخيل أبدًا أنني سأعمل في مجال إعادة التدوير، لكن اليوم أصبح لدينا دور مهم في تحسين بيئتنا، ونحن نعمل معًا لإيجاد حلول مستدامة”، تقول نوف.
أما قتيبة أحمد، الشاب البالغ من العمر 21 عامًا، الذي يدرس في كلية الشوبك، فيرى في هذا المشروع فرصة في مجال آخر عن دراسته في الكلية في تخصص البيطرة. “لقد تعلمت الكثير هنا في مركز الفرز، حيث نتعامل مع نفايات البلاستيك والكرتون باستخدام آلات متطورة، ونحولها إلى مواد يمكن استخدامها مجددًا في صناعات مختلفة. هذا العمل فتح لي آفاقًا جديدة، وأصبح جزءًا من حياتي اليومية”، يقول قتيبة.
المشروع لا يقتصر فقط على فرز النفايات، بل يمتد ليشمل تدريب المجتمع المحلي على كيفية إدارة النفايات بطرق مستدامة. من خلال تعزيز التقنيات الحديثة في فرز النفايات، يعزز المشروع من قدرة البلديات المحلية على مواجهة تحديات إدارة النفايات. حيث يؤكد مراد الشيشاني، مدير برنامج إدارة النفايات في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: “لقد تمكنا من تحويل النفايات إلى مصدر طاقة ومواد جديدة، مما يساهم في تقليل التلوث البيئي وتحسين نوعية الحياة في المجتمعات المحلية”. ويضيف الشيشاني: “هدفنا هو تقليل الانبعاثات الكربونية من خلال استخدام هذه المواد في مشاريع مستدامة، مما يدعم الاقتصاد الأخضر ويقلل من الضغط على المكبات.”
التعاون مع الفنادق: تحويل النفايات إلى فرص
في خطوة جديدة نحو استدامة المشروع، أكد الدكتور نضال العوران، مدير برنامج البيئة والتغير المناخي في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن المشروع سيعتمد على مخلفات الفنادق في مدينة البتراء لتزويد مركز الفرز. “نحن نتعاون مع مفوضية البتراء وفنادق المدينة الوردية لجمع مخلفاتهم من البلاستيك والكرتون، ما يضمن توفير المواد الخام لمرافق إعادة التدوير ويخلق فرص عمل جديدة للمجتمع المحلي”، يوضح العوران. ويشدد على أن هذا التعاون لا يساهم فقط في دعم الاقتصاد المحلي، بل يسهم في تقليل انبعاثات الكربون من خلال تقليل المسافات التي تُنقل فيها النفايات.
أثر المشروع على المجتمع المحلي
يستفيد من المشروع أكثر من 86,000 شخص في جنوب الأردن، نصفهم من النساء، حيث يهدف المشروع إلى تمكين النساء والشباب في مجالات إدارة النفايات من خلال مشاريع ريادية. من خلال مشاريع إعادة التدوير، ساعد المشروع في خلق فرص عمل مستدامة، حيث تمكن أكثر من 100 شخص من المجتمع المحلي، بما في ذلك النساء والشباب، من بدء مشاريع صغيرة في مجال إدارة النفايات. هذه المبادرات التي تُدار من خلال الجمعيات المحلية تسهم في تعزيز الاقتصاد الأخضر، ويُتوقع أن يستمر تأثير المشروع على حياة نحو 86,970 من السكان المحليين.
مواكبة رؤية التحديث الاقتصادي
يتماشى المشروع مع رؤية التحديث الاقتصادي للأردن التي تركز على تعزيز الممارسات المستدامة والتحول نحو الاقتصاد الأخضر. حيث يسعى الأردن للتحول إلى اقتصاد يعتمد على الموارد المستدامة، من خلال دمج الشباب والنساء في هذا المجال البيئي المتطور. ويُعتبر المشروع جزءًا من الرؤية الوطنية التي تتضمن إعادة تدوير النفايات وزيادة عدد منشآت إدارة النفايات المربوطة على نظام الرصد والمعلومات الوطني، إضافة إلى تنفيذ برامج مكثفة مثل برنامج العمالة الخضراء.
تحديات المكبات في محافظة معان
تنتج بلديات محافظة معان ما يقارب 100 طن من النفايات يوميًا، حيث يتم إرسالها إلى المكبات المختلفة التي تعاني من نقص في المعالجة أو الاستفادة منها. هذا الأمر يرهق المكبات ويزيد من هدر الموارد الطبيعية، بالإضافة إلى الأضرار البيئية. وبالتالي، يسهم مشروع إدارة النفايات في تقليل الضغط على هذه المكبات وتحسين إدارة النفايات في المنطقة.
مواصلة الجهود على مستوى عالمي
بالإضافة إلى التأثير المحلي، يُعد المشروع جزءًا من التزام الأردن الأوسع في مواجهة التغير المناخي. في تزامن مع COP 29 الذي بدأ يوم أمس في أذربيجان، يمثل هذا المشروع خطوة حيوية نحو تقليل الانبعاثات وتحقيق الأهداف البيئية العالمية. ويُتوقع أن يكون له تأثير مستدام في تقليل الضغط على المكبات في المملكة، من خلال إنشاء مراكز فرز جديدة وتحسين كفاءة البلديات.
رؤية عالمية للتنمية المستدامة
أكدت رندا أبو الحسن، الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الأردن، على أن المشروع يعكس تعاونًا مثمرًا بين الأردن والشركاء الدوليين، ويُعتبر نقطة محورية في مواجهة تحديات قطاع إدارة النفايات الصلبة في المملكة. وقالت: “نحن ملتزمون بمواصلة دعم الأردن لتحقيق أهدافه البيئية والتنموية، ونحن نشهد اليوم تعاونًا مثمرًا بين الحكومة الكندية ووزارة الإدارة المحلية، وسلطة إقليم البتراء التنموي والسياحي، والبلديات المحلية لتحقيق هذه الأهداف”.
من جانبها، أكدت شيري أندرسون، المنسقة المقيمة للأمم المتحدة في الأردن، على أهمية العمل الميداني الذي يعزز الشراكة مع المجتمعات المحلية، حيث قالت: “من خلال هذا المشروع، نحن نحتفل ليس فقط بالتقدم البيئي، بل بتأثيره الإيجابي على حياة المواطنين وتحقيق التنمية المستدامة في الأردن”.
ملاحظة:
تم إعداد هذا التقرير بمناسبة يوم الأمم المتحدة العالمي، حيث شاركت أوراق ميديا في جولة نظمها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الأردن إلى منطقة الشوبك في محافظة معان، حيث تم تسليط الضوء على مشروع رائد يهدف إلى التخفيف من آثار تغير المناخ من خلال إدارة النفايات الصلبة في جنوب الأردن، والممول من الحكومة الكندية. هذه الزيارة كانت فرصة للتعرف على إنجازات المشروع الذي يغير حياة العديد من المواطنين في هذه المنطقة، ويعزز مشاركتهم في الاقتصاد الأخضر، خاصة من خلال تمكين الشباب والنساء في مجالات البيئة…. وسيتم نشر باقيت فاصيل الجولة في الجزء الثاني.